
طالما برزت الولايات المتحدة الأمريكية كفاعل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وفي بلدان شمال افريقيا واليوم وفي ظل تداخل المسارات والمصالح ومع ما يستجد في بلدان الربيع العربي من أحداث متتالية ومتداخلة يبدو دورها أكثر تأثيرا من ذي قبل، وفي هذا السياق وفي إطار متابعته للقضايا المستجدة والراهنة نظم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ندوة تحت عنوان “سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد الربيع العربي” وذلك يوم الخميس 25 أوت 2016 بمركز دراسة الإسلام والديمقراطية مونبليزير- تونس وقد قدم الندوة الأستاذ مارك لينش وهو أستاذ محاضر في جامعة جورج واشنطن متخصص في شؤون الشرق الأوسط.
انطلقت الندوة بتأطير عام للجلسة من قبل رئيس المركز الدكتور رضوان المصمودي الذي أكد على أن هذه الندوة تأتي في إطار محاولة فهم ما يحدث في بلدان الربيع العربي والإجابة على سؤال أي دور تلعبه الولايات المتحدة الأمريكة في هذا الإطار. كما أكد الدكتور المصمودي على أن نتائج الانتخابات الأمريكية القريبة القادمة سيكون لها تأثير مباشر على الوضع السائد في العالم العربي ومن هذا المنطلق كان موضوع الندوة.
استهل الأستاذ مارك لينش كلامه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية تحدد سياساتها بالنظر لأولوياتها الرئيسية وهي منابع النفط ومصلحة اسرائيل وسيادة الوحدة الأمريكية والعلاقة مع حلفائها وبيّن الأستاذ المحاضر أن كل ما تقوم به أمريكا لا يخرج عن دائرة هذه المصالح الكبرى. ثم انطلق في تحديد المسارات الكبرى التي اتخذها كل من الرئيس الأمريكي كلينتون وبوش والفرق بينها وبين سياسة أوباما وانعكاسات كل ما جاء به الرئيسان على السياسة الامريكية في المنطقة. وأكد مارك لينش أن إدارة الرئيس بوش اختلفت عن نظيره الرئيس كلينتون في سياسة الحرب على الإرهاب التي دفعت إليها أحداث 11 سبتمبر، بالإضافة على أجندة التحرير والتوجه نحو نشر الديمقراطية من أجل القضاء على الإرهاب، كما أن موازين القوة خلال فترة حكم بوش تغيرت تمهيدا لاحتلال العراق بهدف حماية منابع النفط والتضييق على الخطر الايراني لكن انعكاسات ذلك كانت سلبية والعراق اصبحت موالية اكثر لايران. وأكد الأستاذ مارك أن الرئيس أوباما انتقد سياسة بوش واعتبر أن احتلال العراق كان خطأ استراتيجيا وانه من الضروري تداركها. وقد نجح أوباما فعلا في ذلك عبر الانسحاب بشكل نهائي من العراق خلال سنة 2010 والتوصل لاتفاق نووي مع ايران، بالإضافة لمحاولاته المتتالية لإيجاد السلام واستئناف المفاوضات بين اسرائيل وفلسطين.
وأكد الأستاذ مارك أن الثورات العربية جعلت أوباما يغير من سياساته في الشرق الأوسط وانساقت الولايات المتحدة الأمريكية مع موجة الديمقراطية والحرية واختارت أن تكون حليفة لقوى التحرر في العالم العربي التي فرضتها القواعد الشعبية ولذلك رفض أوباما انقاذ حسني مبارك عند اندلاع الثورة المصرية. الا أن الأمور تغيرت بعد ذلك نظرا لرفض حلفاء أمريكا في المنطقة اي بلدان الخليج العربي واسرائيل للديمقراطية وقرروا انهاءها عبر دعم الانقلاب في مصر، في هذه الحالة الولايات المتحدة الامريكية انساقت لرغبة حلفائها التي لم تكن رغبتها هي في الحقيقة.
وفي نفس السياق بين الأستاذ المتدخل ان أمريكا التزمت بعدم التدخل في سوريا وأن أوباما كان يرفض فكرة تسليح الشعب السوري ولكنه لم يمنع حلفاءه من ذلك.
وعن توقعاته لنتائج الانتخابات الأمريكية القادمة فقد أكد الأستاذ لينش أن استطلاعات الرأي تبين أن هيلاري كلينتون هي الأقرب للفوز، وهي مرشحة حذرة تتبنى سياسات شبيهة بسياسات أوباما وليست لديها نية للقيام بتغيير جذري، وهي تتعهد بحماية الديمقراطيات وباستئناف مسار السلام بين اسرائيل وفلسطين. أما بالنسبة للمترشح ترامب فهو سياسي غير معروف وليس لديه دراية بالسياسة الخارجية وهو يعتقد أن الاسلام المتطرف هو الخطر رقم واحد على أمريكا ورجح مارك ان الفترة الأولى من حكمه قد تكون كارثية على كل العالم.
خلال فترة النقاش تساءل المتدخلون عن الموقف الأمريكي من الثورة التونسية ومن الوضع الراهن للبلاد، وعن الدور الذي لعبته أمريكا في محاولة الانقلاب التركي وعما إن كانت هناك رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية في إفشال التجربة الديمقراطية التركية. كما رأى بعض المتدخلين أن أمريكا تريد فرض الديمقراطية التي تريدها وليس التي تريدها الشعوب. وفي تفاعل مع التساؤلات أكد الأستاذ مارك أن أمريكا تدعم الثورة التونسية ولا ترى حرجا في المسار التونسي لأنه لا يمس من الأمن القومي الأمريكي وفيما عدى ذلك فإن الولايات المتحدة لا ترغب في قهر الشعوب ولكن منطق المصلحة والتحالفات هو المحدد الرئيسي وهو الذي يحرك اللعبة السياسية في العالم.
المصدر : مركز دراسة الإسلام والديمقراطية