تحاليلتونس

تونس: برنامج حكومة السبسي الثانية كتبه منذ شهر صندوق النقد

Résultat de recherche d'images pour "‫حكومة الشاهد‬‎"

طارق الكحلاوي:

   يصوت اليوم البرلمان التونسي على الحكومة الثانية منذ انتخابات 2014. ويكرر المشاركون في حكومة السبسي الثانية، التي وضع على رأسها يوسف الشاهد أحد المقربين منه وقام ابنه ومستشاروه بتشكيلها في سياق مسار يكرس عمليا نظاما رئاسويا عائليا مخالفا للدستور، ان اولويات الحكومة وبرنامجها تم الاتفاق عليه فيما يسمى بـ “وثيقة قرطاج”. غير ان الواقع ان برنامج الحكومة القادمة تمت كتابته من قبل المكلفين بملف تونس في صندوق النقد الدولي. وثيقة برنامج حكومة السبسي الثانية موجود في إطار وثيقة لصندوق النقد مصنفة “Strictly Confidential” تمت كتابتها اخر شهر جويلية وبعنوان “الخلاصات الاولية لمهمة زيارة 12-19 جويلية 2016”. بمعنى اخر بمعزل عن مكوناتها وتركيبتها وشخوصها الحكومة القادمة معنية بتنفيذ هذه المقررات.

وتشمل اجراءات قبل نهاية هذا العام رفع اسعار الكهرباء وتجميد اي ترقيات ومنح واجراءات منذ اواخر سنة 2016 وبداية 2017 ومن بينها اعادة التفاوض مع اتحاد الشغل لتجميد اي منح او ترقيات والتأخير في سن التقاعد والتقليص من الخدمات التي توفرها الصناديق الاجتماعية حتى تواجه الدولة المشاكل المالية في ميزانية السنة القادمة من بينها تبعات الفساد في “البنك الفرنسي التونسي” (تنصل رجال اعمال يتبعون بن علي من اعادة قروضهم) والتي ستخلق سنة 2017 ثقبا في الميزانية بما يفوق 430 مليار تضاف الى بقية الالتزامات المالية. وتشدد الوثيقة على محور “الوظيفة العمومية” بالنسبة “للاصلاحات” والتي تشكل خاصة “تجميد” الاجور والانتدابات الى سنة 2020 بما يفسر تعيين السبسي لمقرب من المنظمة النقابية في وزارة الوظيفة العمومية ربما لتسهيل هذه القرارات المثيرة للجدل.

هذه الوثيقة ليست معزولة على مسار من الاتفاقات والرسائل المتبادلة من بينها “رسالة النوايا” في ماي الماضي التي امضاها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي. مقدمة الوثيقة الجديدة توضح انها نتيجة زيارة تمت وسط شهر جويلية، حين كان يتم ما يسمى “الحوار الوطني” في قرطاج، وتمت فيها محادثات مع المسؤولين التونسيين في وزارات مختلفة من المفترض ان تكون من بينهم المكلفة في الحكومة الجديدة بوزارة المالية السيدة لمياء الزريبي والتي كانت في العادة من بين المكلفين بالتفاوض مع المؤسسات المالية الدولية. وتشير الوثيقة الى “اتفاق قرطاج” الذي تم امضاؤه في 14 جويلية مشددة الى انه يجب ان يذهب في ذات اتجاه “الاصلاحات العاجلة” التي يدفع في اتجاهها الصندوق والتي يجب ان يتم تضمينها في مشروع ميزانية سنة 2017 الذي سيتم طرحه للبرلمان في اكتوبر 2016 لتصويب العجز المتفاقم في الميزانية. وثيقة صندوق النقد تشير بوضوح في مقدمتها ان نسق النمو لا يمكن ان يمثل مدخلا لانقاذ الوضع الوضع وان المدخل او تحويرات في نفقات الدولة.

الوثيقة في 15 صفحة تتكون من ثلاثة محاور، اولها تشخيص الوضع الاقتصادي والمالي، والثاني “الافاق والمخاطر”، والثالث وهو الذي يهيمن على الوثيقة عنوانه “السياسات الاقتصادية الكبرى” (الميزانية، السياسة المالية ومعدلات الصرف، اصلاح المؤسسات والحوكمة). وتنتهي الوثيقة بملحق عنوانه “استراتيجيا اصلاح الوظيفة العمومية”.

تقدم الوثيقة في المحور الاول تشخيصا تغلب عليه السلبية سواء من حيث تراجع نسبة النمو في الثلاثي الثاني مقارنة بالثلاثي الاول لهذه السنة، وتدهور الميزان التجاري وتواصل تراجع عدد السواح بما يعمق العجز في احتياطي العملة الصعبة ويزيد في تدني قيمة الدينار. وتشير الوثيقة ان الدولة التونسية لم تحقق التزاماتها تجاه صندوق النقد في عدد من المسائل بحلول شهر جوان حيث استهلكت مثلا ما يتجاوز الحد المسموح به في احتياطي العملة الصعبة بـ 30 مليون دولار في نفقات عسكرية “لم تكن مبرمجة” بالاضافة الى ان نسبة العجز في الميزانية لم تكن مطابقة لما تم الاتفاق عليه بحلول جوان. وتدعو الوثيقة هنا الى “تصويب” هذا الخلل في الاشهر المتبقية من هذه السنة. أخيرا تشير الوثيقة الى انه ايضا لم يتم الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه في خصوص البنوك العمومية الثلاثة وفقا لـ “عقد الاهداف” معها خاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلتها.

في المحور الثاني “المخاطر والافاق” تشير الوثيقة في البداية الى ان عد الاستقرار السياسي وخاصة الشكوك وطول مسار تشكيل الحكومة مع اسعار النفط عوامل تزيد في المخاطر على النشاط الاقتصادي. تشير الوثيقة انه رغم السيطرة على التضخم في الاشهر القادمة فان التقليص من العجز التجاري يستوجب عددا من العوامل اهمها زيادة عدد السواح فيما تبقى من الصيف وانخفاض اسعار المواد الاساسية.

المحور الاخير والذي يحتل اغلب صفحات الوثيقة هو الاهم وهو عمليا البرنامج المطلوب من الحكومة القادمة من قبل صندوق النقد. يركز هذا الجزء على “السياسات الاقتصادية الكبرى” والنقطة الاولى تتعلق بـ “الميزانية”. وهنا تشير الوثيقة بوضوح الى ان هناك حاجة لـ لا”تصويب التجاوزات” في الميزانية حيث تشير الى ارتفاع العجز في الميزانية بنسبة نمو مائوية واحدة مقارنة بما كان مبرمجا فيما قبل (من بين الاسباب ارتفاع تكاليف منظومة الدعم الطاقي والغذائي)، وعلى هذا الاساس تؤكد الوثيقة على ضرورة اصدار قانون مالية تكميلي لتصويب هذا “التجاوز”. وهنا تقترح الوثيقة عددا من الاجراءات للتحكم في كتلة الاجور اهمها تجميد المنح والترقيات كانت مقررة اساسا في ماي الماضي وتم تأجيلها في سياق تغيير الحكومة. وايضا اقتراح رفع اسعار الكهرباء، والتقليص في نفقات حكومية، وحتى اقرار ضرائب جديدة ان لم تفلح هذه الاجراءات في رتق العجز المتصاعد هذه السنة.

في المقابل تقترح الوثيقة “اجراءات عاجلة” لتجنب ارتفاع كتلة الاجور من 14.2? سنة 2016 الى 15.6? سنة 2017 من الناتج الداخلي الخام منها اعادة التفاوض مع اتحاد الشغل لتجميد اتفاقيات مبرمجة للرمنح والترقيات ورفع الاجور. تشير الوثيقة خصوصا الى العجز الكبير في الصنادق الاجتماعية تحديدا الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اذ حسب الوثيقة يجب ان توفر الدولة سنة 2017 حوالي 1250 مليار لتغطية العجز. وتؤكد الوثيقة هنا ضرورة اجراء “اصلاحات” في نظام التقاعد اما غبر تأخير سن التقاعد او تعديل معايير المنح ونوع الخدمات الاجتماعية.

لكن من اهم معطيات الوثيقة هو التأثير السلبي الكبير للتحكيم الدولي الذي تم ضد الدولة التونسية في قضية “البنك الفرنسي التونسي” (BFT) والذي سيتسبب في ثقب في الميزانية يبلغ 430 مليار تونسي. يجب التذكير هنا ان قضية البنك تعود اساسا الى قضية فساد كبيرة تسببت فيها منح ادارته قبل الثورة لقروض جد ميسرة بدون ضمانات لرجال اعمال مقربين من بن علي أصبحوا بعد الثورة داعمين لاحزاب سياسية حاكمة على رأسها حزب السبسي.

وهنا تشدد الوثيقة على ان اهم ورشة “اصلاحات” تخص الوظيفة العمومية وكتلة الاجور التي تمثلها وهنا وضع صندوق النقد خطا احمر لا يجب تجاوزه في هذه الكتلة وهو 12? من الناتج الداخلي الخام. ويتم تفسير معنى “الاصلاحات” بإجراءات تركز على التفكير بسرعة في “اعادة هيكلة سلم الاجور” وهو ما يمكن ان يعني ليس تجميدا فقط في الاجور بل تقليصا لها بهدف عدم تجاوز النسبة المذكورة. تشير الوثيقة الى اجراءات اخرى ممكنة ايضا مثل التقاعد المبكر واعادة نشر الموظفين. الملف الاخر البارز في الوثيقة في هذا السياق هو ملف المنشآت العمومية خاصة منها التي تعيش صعبات مالية ويتم التركيز هنا على “متابعة مقربة” لمؤسسات مثل شركة الكهرباء والغاز وشركة “ستير” (المكلفة بشراء المواد الطاقية) و”ديوان الحبوب” والخطوط الجوية وشركة التبغ والوقيد من خلال وضع “عقود اهداف”. ويتم الاشارة هنا خصوصا للديون المتخلدة وغير المدفوعة بين المؤسسات العمومية المختلفة وان هذا الموضوع يجب ان يحسم قبل نهاية ديسمبر 2016.

الوثيقة تشير الى ان “مكافحة الفساد” يجب ان تكون في جوهر سياسة الحكومة من خلال اصدار قانون يؤسس هيئة دستورية لمكافحة الفساد واصدار قانون يحمي المبلغين ومن خلال اصدار احكام ترتيبية للقانون الاساسي حول “النفاذ الى المعلومة” وقانونا حول الاحصائيات بما يعكس نقص ثقة صندوق النقد بالإحصائيات الرسمية، وهو ما يعزز ما يشاع عن شكوك مبعوثي صندوق النقد في الارقام التي تقدمها اليها الحكومة التونسية. وهنا يتجاهل تقرير صندوق النقد “قانون المصالحة” الذي بادر به السبسي رغم ان عديد المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفاسد اكدت مساهمته في تطبيع الفساد في البلاد.

أخيرا وربما الاهم تتضمن الوثيقة ملحقا خاصا بما تسميه “استراتيجيا الوظيفة العمومية” وتشير الى انه من المفروض استكمالها بحلول شهر سبتمبر 2016 وتحدد اهدافها في اجراءات لدعم “نجاعة الخدمات العمومية” و”احتواء” كتلة الاجور في نسبة 12? من الناتج الداخلي الخام. وتحدد الوثيقة عددا من الاجراءات لتحقيق ذلك وهي كالتالي: أولا، “مراجعة سلم الاجور بما يجعله متناسقا مع القطاع الخاص” ويجب التنويه هنا أن اجور وامتيازات القطاع الخاص للعمال أدني بكثير منها في القطاع العام. ثانيا، اعاد تقييم الاداء الوظيفي. ثالثا، اعادة انتشار الموظفين بما في ذلك في الدواخل. رابعا، تحديد الانتدابات القادمة في الوظيفة العمومية الى سنة 2010 وتأثيرها على الميزانية. خامسا، مراجعة اليات الانتداب في الوظيفة العمومية. سادسا، مراجعة منهية تقييم اداء الموظفين العموميين. سابعا، والاهم تحديد ما يمكن ان تستفيد منه الميزانية من هنا الى سنة 2020 من خلال “تجميد الاجور” و”تجميد الانتدابات” و”عقلنة المنح والامتيازات” و”المغادرة الطوعية”.

المصدر :  “عربى21”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق