
زهير إسماعيل: (عضو المكتب التنفيذي )
لكلّ مرحلة عنوانها وجملتها السياسية.
في مرحلة الاستعمار المباشر كانت كلمة السر “الاستقلال” فـ” بناء الدولة” و”مقاومة الاستبداد” ثمّ العصيان المدني في مواجهة ” عصابة السرّاق”. واستقرّ الأمر عند تأسيس “المنظومة الديمقراطية” ولا عنوان اليوم إلاّ ” مقاومة الفساد ومحاربة شروطه”.
وهذا ليس خاصًّا ببلادنا، بقدر ما هو العنوان المشترك للأنظمة الديمقراطيّة ونحن منها رغم اختلاف البيئات والتاريخ والثقافة.
والفساد صار وجها من وجوه الديمقراطية التمثيلية على ضفّتي المتوسط والقارّة الأمريكيّة. ويشير استفحاله إلى أزمة الدولة ( في أوروبا وأمريكا ) ومأزق نموذج الديمقراطيّة التمثيلية.
وتبيّن تجارب مجاورة لنا في أوروبا ( إيطاليا وإسبانيا) صعود حركات سياسية جديدة كان محاربة الفساد برنامجها الوحيد. فاستطاعت في وقت قياسي أن يكون لها وزن سياسي في المؤسسات التمثيلية ( البلديات، والبرلمانات)، وصار مرتكز برنامجها محاربة الفساد وتحسين جودة الحياة وفي ذلك محاولة للخروج من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية فالمباشرة.
وقد تمكنت حركة “خمس نجوم” الإيطاليّة، هذه الأيّام، من الفوز ببلديات مهمة مثل بلدية روما على حساب حزب رئيس الحكومة ماتيو وينزي ( يسار وسط). وفي أوروبا بعامة أصبح الفساد يمثّل تهديدا حقيقيا للدولة والديمقراطية وصارت محاربته بمثابة البرنامج السياسي والخلفيّة الإيديولوجيّة.
خرجنا من الاستبداد في معناه السياسي وبنيته المانعة من الاختيار الحر إلى ديمقراطيّة تمثيلية مهددة بالفساد.
المشكل اليوم مع “عصابة السراق” التي رفُع عنها الغطاء السياسي ( نظام الاستبداد) فتحصنت داخل “شروط الفساد”. فتكون محاربة هذه الشروط هو البرنامج السياسي المرحلي الوحيد….من مقاومة الاستبداد إلى محاربة الفساد. وعلى قاعدة هذه المواجهة سيتجدد الفرز وتبرز هويات انتظام سياسي جديد يخرجنا من ثنائيات تقليدية من أهمّها ثنائيّة يمين /يسار، فإذا كان الفساد يصيب اليمين كما يصيب اليسار أصبح لا معنى لاختلافهما وتمايزهما ومن ثمّ لا معنى للاختيار بينهما. وقد كان لنا لقاء مع قيادات من حركة “خمس نجوم” بمناسبة الملتقى العالمي للديمقراطيّة المباشرة في ماي 2015 بتونس، وكان جوابهم عن سؤالنا “هل أنتم يمين أم يسار” ؟ أنّٰهم انفكّٰوا عن هذا التصنيف التقليدي( في تقديرنا، يبدو الانفكاك من هذه الثنائية صعبا في غياب تأسيس نظري جديد لهوية الحركة الاجتماعية) ، وكلّ ما يعرفونه هو أنّٰهم يقدّمون خدمة يحتاجها الناس، وأنّٰهم ضدّٰ المركزة والفساد ويسعوْن إلى أن يأخذ الناس مصيرهم بأيديهم وألاّ يفوّٰضوا كلّٰ أمرهم إلى الدولة.
لذلك يكون سؤال: كيف نحارب الفساد وبأيّة وسيلة؟ السؤال المركزي، وعنه تنبثق الأسئلة الفرعيّة.
وموضوعيّا: مثلما يكون طرح هذا السؤال مقدّمة إلى لقاء وطني واسع، تكون الإجابة عنه مدخلا إلى برنامج سياسي جامع ومهمة وطنية ملحّة.
إذا لم تجمعنا محاربة الفساد…فلن نجتمع على شيء… ولا اجتمعنا!!!
المصدر: حراك تونس الإرادة