تقاريرتونسشؤون مغاربية

تونس : محمد الباردي يتأمّل واقع الرّواية التّونسيّة

 

عبد الدائم السلامي: (٭)

 

بعد كتب «التحولات السردية: الحداثة وما بعد الحداثة» و«نظرية الرواية» و«شخصية المثقف في الرواية» أصدر الروائي والجامعي التونسي محمد الباردي، شفاه الله، كتابا في الشأن النقدي بعنوان «تأملات في الرواية التونسية» عن دار «ضحى» للنشر، وانصب جهدُه فيه على دراسة ثلاث مسائل مهمة تتصل بالرواية التونسية هي إشكالية التأسيس وقضية التجريب ومسألة الرواية النسائية. والكتابُ ليس عملا أكاديميا تقليديا، ذلك أن المؤلف أتاح فيه لنفسه شيئا من الحرية، في النظر الذاتي إلى التجارب والنصوص المدروسة؛ حيث عبر عن مواقف تبدو أحيانا شخصيةً، ومال أحيانا أخرى إلى تقويم النصوص عبر إبراز قيمتها الإبداعية، في سعيٍ منه إلى تنزيلها منازلها المناسبة ضمن مسيرة الرواية التونسية.
افتتح الباردي كتابه بالقول: «منذ زمنٍ كنت أفكر في تأليف كتابٍ عن الروايةِ التونسيةِ. فكثيرةٌ هي النصوصُ الروائيةُ التي ملأت دماغي، فكتبتُ عن بعضها في الصحف وظل بعضها الآخر عالقا في مخيلتي في انتظار الفرصة الملائمة لأتحدث عنها». وهو قول يُحيل على كون الباحث قد اعتمد في الكتاب على ثقافته الشخصيةَ وما عَلِق بذاكرته من أثرٍ أثناء قراءته للنصوص الروائية التونسية. فهو إذن كتاب في النقد الأدبي، أو هو في أدب المحاولة، باعتبار أن المحاولة، على حد قول الفرنسي سيباستيان هوبيي، تتمثل في «مواجهة التجارب الشخصية والقراءات واللقاءات بغية الوصول إلى استنتاجات عامة أو تدقيقا بغية اقتراح هذه الاستنتاجات على القارئ… وبما أن المحاولة تُنسب إلى جماليةٍ غير منتهية فهي تريدُ أن تكون تسجيلاً لفكرة أولى قابلة للتحوير والتدقيق في وقت لاحق».
ضمت مدونة البحث أبرز النصوص الروائية التونسية منذ بداية الستينيات إلى الآن، ولا شك في أنه لا يمكن في مثل هذا الكتاب وبحكم طبيعته وطموحه أن يلم بكل ما كتب في تونس وهو كثيرٌ، ولذلك التجأ المؤلف إلى ضربٍ من الانتقاء، إذ لم يختر من الروايات إلا ما رأى منها أنه يثير إشكالية معينة، أو يمثل علامةً مخصوصةً في مسيرة الرواية التونسية.
عاد المؤلف، في الجزء الأول من كتابه إلى إشكالية التأسيس الروائي التونسي، وهي الإشكالية القديمة الجديدة التي يجملها السؤال التالي: إلى مَن تعود أبوة الرواية التونسية؟ ولاحظ الباردي أن النقاد في تونس توزعوا في شأنها إلى فريقيْن؛ أحدهما يناصر محمود المسعدي والآخر يناصر البشير خريف. لكن الباردي لا يعتبر المسعدي روائيا، إذ يرى أن كل ما كتبه هذا الأخير كان خارج التجنيس التقليدي، بما في ذلك كتابه الشهير «حدث أبو هريرة قال»، ولذلك فهو يرى أن البشير خريف هو مؤسس الرواية التونسية من خلال أبرز الأعمال الروائية التي كتبها وهي، «حبك درباني» و«الدقلة في عراجينها» و«برق الليل».
لكنه مع ذلك لا ينفي تأثير المسعدي في الجيل الجديد من كتاب الرواية،، إلى جانب تأثير البشير خــــريف الذي أرسى قواعد الرواية الواقعــية، في حــــين تراجع كل من نحا منحى المسعدي عندما أدرك أن المحاكاة لا يمكن أن تنتج أدبا أصيلا. وفي هذا السياق حلل المؤلف مجموعة من الروايات التي حملت أثر كتاب «حدث أبو هريرة قال» على غرار بعض روايات صلاح الدين بوجاه وفرج الحوار.
انعقد جهد الباحث في الجزء الثاني من الكتاب على تبين مسألة التجريب في الرواية التونسية، فلاحظ أن التجريب الروائي جاء متأخرا وشغل المسرح والقصة القصيرة، قبل أن يشغل الرواية. ثم حلل الباردي النصوص التجريبية الأولى في الرواية وهي نصوص عزالدين المدني «الإنسان الصفر» و«ونصيبي من الأفق» لعبد القادر بن الشيخ و«حركات» لمصطفى الفارسي، لكنه يؤكد أن هذه النصوص لم تؤثر في مسيرة الرواية التونسية. ويرى أن الرواية التجريبية الأولى التي كانت وعيا فنيا عميقا بقضايا التجريب هي رواية «مدونة الاعترافات والأسرار» لصلاح الدين بوجاه.
وفي الجزء الثالث يطرح المؤلف مسألة الرواية التي تكتبها المرأة في تونس، ويميز في هذا السياق بين اتجاهين: اتجاه الكتابة النسائية وهو اتجاه لا يحمل موقفا إيديولوجيا يتصل بالمرأة وتمثله عروسية النالوتي وعلياء التابعي ومسعودة بوبكر وآمنة الرميلي. واتجاه الرواية النسوية وهو اتجاه إيديولوجي في الأساس ورائدته في تونس آمال مختار وتحذو حذوها الكاتبة عفيفة سعودي السميطي، إذ ظلتا تحصران الكتابة في إشكالية الذكورة والأنوثة.
لا شك في أن هذا الكتاب مناسب لوقته من حيث تنامي الإقبال على كتابة الرواية في تونس، كما أنه كتاب جدلي من جهة أن كل موقف فيه يستدعي موقفًا مضادًا، ويبدو أن الباردي تنبه إلى هذا الأمر فأكد أن تقويمه لبعض النصوص يظل في النهاية اجتهادا شخصيا قابلا للمناقشة. ولكنه اجتهاد يمكن أن يفيد الباحثين في الرواية التونسية من جهة ما يطرح عليهم من مسائل جديرة بالتأمل والتفكير يمكن أن تطور البحث الأدبي وتنمي الدراسات السردية.

 

المصدر: القدس العربي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٭)- كاتب تونسي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق