تقاريرتونس

تونس: ساعتان في الجزائر غيرتا مواقف الغنوشي وموازين القوى في تونس

Afficher l'image d'origine

 

 

الجمعي قاسمي:

 

كشفت مصادر سياسية أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، قام بزيارة خاطفة للعاصمة الجزائرية التي وصلها على متن طائرة خاصة أمنها له رجل أعمال يملك شركة طيران تونسية.

وتأتي هذه الزيارة الخاطفة، فيما دخلت الأزمة السياسية التونسية خلال الأسبوع الماضي مرحلة الاشتباك الواسع ضمن منحنى الخلافات المتصاعدة بين الرئاسة والأحزاب والمنظمات الوطنية حول المبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية التي طرحها الرئيس الباجي قائد السبسي ليلة الثاني من الشهر الجاري.

وقالت المصادر المُقربة من مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية، لـ”العرب”، إن الغنوشي توجه فور وصوله مطار هواري بومدين الدولي، مباشرة إلى قصر “المرادية”، حيث عقد فيه اجتماعا مع عدد من مستشاري الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استمر لساعتين.

ولم تخرج تفاصيل حول هذا الاجتماع، غير أن مصادر لـ”العرب”، قالت إن الاجتماع تناول الأزمة السياسية التي تشهدها تونس على وقع مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وأضافت أن هذه الزيارة المفاجئة التي تأتي بعد زيارة العاصمة الفرنسية، تندرج في سياق الزيارات التي يقوم بها راشد الغنوشي بعد فشل الجولة الثانية من المشاورات حول مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

ولفت مراقبون إلى أن موقف الغنوشي من هذه المبادرة، وخاصة إزاء بقاء رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد، أو رحيله، تغيّر مباشرة بعد زيارتي باريس والجزائر، حيث قطع الغنوشي التردد الذي اتسمت به مواقفه السابقة، وأصبح يدعو صراحة إلى بقاء الحبيب الصيد في منصبه.

وألقى هذا التغيير الواضح في موقف رئيس حركة النهضة الإسلامية بظلاله على المشاورات الجارية حول المبادرة المذكورة، حيث بلغ الاستقطاب ذروته، على وقع إصرار حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحركة نداء تونس على رفض الرضوخ لقواعد اللعبة السياسية الجديدة، والإمعان في الهروب إلى الأمام من خلال التمسك بضرورة رحيل الحبيب الصيد قبل عيد الفطر.

ولا تلوح في الأفق آليات للخروج من هذه الأزمة التي جعلت مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي تتيه بين ثنايا الحسابات والمصالح الحزبية الضيقة، حيث تضاربت التصريحات والتوقعات، ذلك أنه في الوقت الذي توقعت فيه سعيدة قراش مستشارة الرئيس السبسي الإعلان عن رئيس جديد للحكومة التونسية قبل نهاية رمضان الحالي، ذهب سفيان طوبال رئيس كتلة نداء تونس البرلمانية المُقرب من حافظ قائد السبسي إلى القول إن الانتهاء من هذه المبادرة سيكون بعد العيد بنحو أسبوعين أو ثلاثة.

وأمام تعثر الوصول إلى توافق حول ماهية الحكومة المُقترحة، وبرنامجها ومن سيرأسها، بدأت الأحزاب والمنظمات الوطنية المعنية بهذه المبادرة في كشف البعض من أوراقها في إدارة هذه الخلافات، وسط خشية متزايدة من سعي البعض إلى تدويل هذه الأزمة التي بات واضحا أنه لا يمكن معالجتها بالترقيع، أو المحاباة عبر الترضيات والمحاصصة الحزبية.

وبدأت ملامح هذا التدويل تتضح تدريجيا في أعقاب زيارات راشد الغنوشي لفرنسا والجزائر، حتى أن المحلل السياسي التونسي منذر ثابت لم يتردد في القول إن حل الأزمة السياسية التونسية أصبح خارج حدود البلاد، وهو يُطبخ حاليا لدى الدوائر الإقليمية والدولية.

واعتبر في تصريح لـ”العرب”، أن زيارة الغنوشي للجزائر “لم تكن مفاجئة للأوساط السياسية التي تُدرك جيدا أن اللعبة السياسية في تونس أصبحت بعد 14 يناير2011 تخضع لتقلبات المشهد الإقليمي والدولي وتفاعلته”.

وأضاف أن كل القراءات السياسية تُجمع على أن “أن تونس اليوم تعيش الحالة اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي، حيث أن الجزائر بالنسبة إلى تونس تقوم مقام سوريا حافظ الأسد في لبنان”.

وذهب منذر ثابت إلى حد القول إن “ارتهان تونس شبه الكامل للدوائر الإقليمية والدولية المؤثرة، وللغطاء الإستراتيجي الأميركي، والخضوع للإملاءات السياسية الأجنبية أصبح واضحا للجميع”. وفي ظل هذه الأجواء المعقدة ومأزق مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ربط مراقبون الزيارة التي يقوم بها حاليا لتونس وفد من الكونغرس من ثمانية أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بتزايد التدخل الإقليمي والدولي في الأزمة التونسية الراهنة.

وبدأ وفد الكونغرس الأميركي برئاسة النائب الجمهوري فارن بوشنان، السبت، زيارة لتونس لم تُحدد مدتها، حيث اجتمع مع وزير الخارجية خميس الجهيناوي، ومع محمد الناصر رئيس البرلمان، وبحث معهما الوضع العام في تونس، والعلاقات الثنائية.

وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن دانيال روبنستين سفير أميركا لدى تونس الذي كثف خلال الأسبوع الماضي من اتصالاته ومشاوراته مع مسؤولي الأحزاب التونسية، أبلغ البعض منهم أن مسؤولا كبيرا من الخارجية الأميركية يُنتظر وصوله إلى تونس خلال الأسبوع الجاري لبحث ما وصفه بـ”الانفلات السياسي” الذي تشهده البلاد.

وتؤشر هذه التحركات على أن الأزمة الراهنة في تونس أدخلت البلاد في مرحلة جديدة، في ظل اهتمام إقليمي ودولي متزايد بها، وسط شبه إجماع على أن الدوائر الإقليمية والدولية باتت تُحبذ بقاء رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد في منصبه لغاية تنظيم الانتخابات المحلية المُقررة في مارس المُقبل، وهو ما يُفسر إلى حد ما تغير موقف الغنوشي باتجاه دعم الحبيب الصيد، ما يعني أن مبادرة الرئيس السبسي دخلت في نفق لا أحد بإمكانه التكهن بمآلاته، ومخارجه.

 

المصدر : العرب 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق