
ربط “شط الجريد” التونسي بالبحر المتوسط وصولا إلى “شط ملغيغ” في الجزائر.. هذه الفكرة ليست بالجديدة وهي تعود إلى أكثر من 140 سنة وصاحبها هو «رودار» الضابط في الجيش الفرنسي الذي حلم به ذات أشهر من سنة 1872 .ويتمثل المشروع في انجاز البحر الداخلي بربط شط الجريد بالبحر على مستوى وادي المالح بحفر قنال حسب خط واضح قدم فيه خارطة دقيقة….
ورودار جاء الى تونس في مهمة علمية واستطلاعية مرة أولى سنة 1872 ثم ثانية سنة 1875 لغاية درس إمكانية ربط شطي ملغيغ الجزائري وشط الجريد في تونس بالبحر الأبيض المتوسط عبر منطقة قابس و رودار قائد عسكري عاش بين 1830 و1898 عرف بتجربته في تجميع المعلومات والإخبار خلال تواجده بالجزائر منذ سنة 1872 حيث عمل على إعداد خارطة المواقع والجبال والسهول والشطوط ذات الأبعاد الإستراتيجية.
واستعرض الأستاذ الجامعي والباحث بوبكر خلوج والذي وحده تحصل على نسخة من المشروع من صديق فرنسي عن طريق الصدفة تفاصيل هذا المشروع في ندوة «الخيمة والنخلة لحوار الثقافات وتنمية السياحة والصناعات التقليدية» التي التأمت بمناسبة مهرجان الصحراء الدولي بدوز.
وقد صرح الباحث بوبكر خلوج بما يلي: “رودار اعتبره عملا يسيرا نسبيا اذ يتمثل في نقل وتحريك كمية من الأتربة ٬ حوالي 30 مليون متر مكعب وهو عمل لا يستوجب أكثر من سنة حسب رودار فالدراسات والتجارب الهندسية أثبتت أن طبيعة الأرض بالمنطقة رمال وطين ولا تحتوي على الأحجار والصخور. وتحمس رودار لمشروعه بالرجوع الى أفكار قديمة منها أفكار ماتيي والتي تبين أن شط الجريد هو عبارة عن طبقة باطنية يكفي إزالتها للإبحار فيها وكذلك رحلة محمد التيجاني في القرن 14 والتي تنص على «أن الطريق المؤدية الى نفزاوة وتوزر لا تزيد على مستوى البحر بالنظر الى طبقة تربة البحر» إضافة الى قول بن الشباط التوزري «نفطة هي ميناء الصحراء وأن البحر يمتد من توزر الى قابس» …
مضيفا: “أعد المشروع بتكليف من وزير التعليم العمومي الفرنسي وبهذه الصفة أراد محرره أن يكتسي صبغة علمية وله مرجعيات تقنية تخص طبيعة الارض والتركيبة الجيولوجية للاتربة ومسالك المياه وتضاريس المحيط الطبيعي للمنطقة بما فيها من مرتفعات ومنخفضات.. الواضح أن رودار له هاجس كبير من خلال فكرة البحر الداخلي. هذا الهاجس هو ربط ثقافة البحر بثقافة الصحراء أي ربط ثقافة أهل البحر بثقافة أهل الصحراء. ويعتقد أن هذا الربط ممكن ففي ظنه البحر الداخلي يختصر المسافة التي تفصل البحر عن الصحراء ويعتقد إن حضارة جديدة يمكن أن تولد نتيجة الاحتكاك بين أهل البحر وأهل الصحراء.ثم أن لدى رودار فكرة قاسية عن الصحراء من خلال قسوة المناخ ووجود حيوانات خطيرة كالأفاعي . ويعتبر رودار أيضا أن الصحراء في عزلة ومن هذه المنطلقات أراد رودار من خلال مشروعه التقليص من هذه العزلة وخلق وسيلة اتصال « …
وحول قرار رفض مشروع رودار بينما تم قبول مشروع قنال السويس والمشروعان تقدما في نفس التاريخ, قال الباحث التونسي: “لأسباب ذكرها رودار في نفس التقرير انطلاقا من دراسة البعثة الايطالية التي سبقته والتي كانت لها نفس المنطلقات ولكنها آمنت بالعوامل المناخية والمتمثلة في ارتفاع اليابسة عن البحر وأن الفرق بين مستوى البحر ومستوى اليابسة أكثر بكثير في حالة شط الجريد عما هي عليه في قنال السويس. والحجة الثانية التي ذكرتها البعثة أن تزيد تبخر المياه وارتفاع الرطوبة سيزيد من كميات الأمطار ومن النتائج المحتملة أن منطقة الجريد ستغرق بطوفان البحر الداخلي وبمفعول الأمطار الجديدة. ثم هل سيبقى البحر بحرا رغم كثافة التبخر والاهم من كل هذا ما هو مصير النخلة في سياق هذه التحولات المناخية”.
وختم بالقول: “رودار هو من الحالمين شأنه في ذلك شأن جلفارن الذي كانت له أفكار استشرافية مثالية و حتى طوباوية ولكن لها منطلقات ورودار حاول اقتراح اقتصاد بديل بالنخلة وربما لعدم معرفته الدقيقة بالنخلة وبقيمتها الحقيقية فهو يعتقد في إمكانية تعويضها بمصادر رزق أخرى.. اردت إظهار الصورة التي كان يحملها الغرب على الصحراء والحاجة الى الاتصال آنذاك ولكن اليوم وبفضل التقدم التكنولوجي والعمل التنموي في البلاد فان الصحراء لم تعد رمزا للعزلة أنها محيط طبيعي بديل وهي فضاء سياحي جديد بالإضافة الى توفر وسائل النقل ووسائل الترفيه والرفاهة.. أعتقد أن البحر يقلص من ملوحة المياه فهو يخلق رطوبة جديدة وهذه الرطوبة يمكن أن تتحول الى مياه عذبة ومن الايجابيات التي استعرضها رودار هو أن ارتفاع الرطوبة والحرارة يؤدي الى بروز فلاحة جديدة وهي زراعة القطن بالإضافة الى خلق نمط جديد من الحياة والعمران ولكن أعود وأؤكد أن رودار من الحالمين”.
تونسة المشروع:
بعد الاستقلال، يظهر أن أول حكومة تونسية تعهدت بهذا المشروع سنة 1957 لكن صرفت عنه النظر لأسباب غير معلومة بالضبط قد تكون فنية أو مالية.
ويرى باحثون أنه على المدى المتوسط يسمح هذا المشروع لاحقا بتركيز العدد الكافي من محطات تحلية المياه في عمق الجنوب الغربي بما يعني ذلك من حلول لمشكلة شح المياه ومن تحويل عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي المهملة والجرداء إلى مناطق سقوية٬ خضراء ومنتجة للخيرات٬ فضلا عن إحداث أحواض لتربية الأسماك وتهيئة شواطئ اصطناعية تكون مراكز للترفيه وللسياحة الداخلية لطالما حرم منها متساكنو هذه الجهات٬ وغيرها كثير من الأنشطة ذات العلاقة.
وكل هذه العوامل من شأنها أن تثبّت سكان هذه الجهات في مناطقهم. وعلى مستوى آخر٬ ووفق نفس المصادر, فالأكيد أن مشروع تحويل شط الجريد وصولا إلى شط الغرسة داخل التراب التونسي على الحدود مع الجزائر إلى بحر داخلي سيحظى بفائق اهتمام الجزائريين ودعمهم اللامشروط لإنجازه٬ فحلمهم كذلك بربط شط ملغيغ بالبحر الأبيض المتوسط يبقى قائما..
مطالب بإعادة إحياء المشروع:
.. “وخلال محاضرة عن التحديات الأمنية والإستراتيجية والاقتصادية التي تواجه تونس دعا الخبير الدولي والسفير السابق الأستاذ حاتم بن سالم الى تجاوز” الحلول الترقيعية ” و “المسكنات” .. وطالب بـ”إحياء مشروع انجاز قنال بحري يربط السواحل التونسية وخليج قابس بشط الجريد والصحراء الغربية للبلاد ..مما سيساهم في الحد من الصبغة الصحراوية وشبه الصحراوية لغالبية مناطق الوسط والجنوب التونسيين ..” وحول الكلفة المرتفعة نسبيا لمثل هذا المشروع الطموح والملاحظات الفنية التي قدمها بعض الخبراء اعتبر الأستاذ حاتم بن سالم أن ” انجاز مثل هذا المشروع يمكن ان يلقى دعما ماليا مغاربيا وعربيا ودوليا.. وكلفته لن تتجاوز في كل الحالات مشروع ” نخلة ” في دبي مثلا “.. واعتبر الأستاذ بن سالم أن ” التجمعات البشرية الجديدة والمشاريع الزراعية والتنموية التي ستقام بعد ربط غرب البلاد وشرقها عبر قنال بحري سيساهم في الحد من المخاطر الأمنية ومن الإرهاب ..كما سيوفر صيغا جديدة لحماية الحدود دون ترفيع النفقات العسكرية والأمنية ..لان الإنسان سيوفر ” دروعا بشرية ” في المناطق الصحراوية والحدودية شبه المهجورة حاليا ..والتي قد يستفيد المهربون والإرهابيون من ضعف كثافتها السكنية في تنقلاتهم وعملياتهم …”
المصدر: الثورة نيوز
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته…اشكركم على هذا الموضوع القيم لكن هذا المشروع ليس تونسيا فحسب و انما جزائري ايضا حيث تم ارث الفكرة من الاحتلال الفرنسي…فان هذا المشروع ان تم سيتم باموال تونسية و جزائرية و يمكن استغلال الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر و ممارسة الفلاحة و الغرس كما انه سيوثر على المناخ الصحراوي الجاف و يلطف منه….لكن لدي سوال هل الملوحة تسرب عبر التربة الى المياه الجوفية و تزيد من ملوحتها ام ان هذا التاثير سيكون نسبي…؟ او بما ان هناك تربة طميية حافة لنفوذ المياه عميقا في شط الجريد و ملغيغ لماذا لا يتم تزويدهما عن طريق انانيب مائية لكي يقلل من احتمال نفوذ المياه المالحة في مناطق عبور القناة ……….انا لا اعرف فلست مختصا في الجيولويجيا او الري فقط احاول ان افكر مثلكم لكي يعم شعبنا المغاربي الخير و نحول من السلبيات الطبيعية الى ايجابيات لماذا لا نتببنى هذه الفكرة كافراد و نقوم بجمع النقود للفكرة و المشروع و نقوم بدراسات جادة لدراسة الجدوى و جل مشاكل المشروع و الاستفادة منه بشكل افضل…