
الحبيب بن فرحات :
كشف التيار الديمقراطي في شخص الخبير الدولي في مجال الطاقة وعضو مكتبه السياسي السيد الحبيب بن فرحات بتاريخ 17 مارس 2016 عن إبرام عقد محطة توليد الكهرباء ببوشمة (250 ميغاوط) مع جينيرال الكتريك وذلك اعتماداً على التفاوض المباشر لاقتناء توربينتين غازيتين، واعتماداً عليه، قام السيد غازي الشواشي النائب في مجلس نواب الشعب والأمين العام للتيار الديمقراطي بإرسال سؤال كتابي بتاريخ 11 أفريل 2016 إلى السيد وزير الطاقة والمناجم طبقاً لمقتضيات الفصل 145 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب مثيراً إشكال تعاقد الشركة التونسية للكهرباء والغاز بتاريخ 24 فيفري 2016 بطريقة مباشرة دون أدنى منافسة وعدم احترام قانون المناقصات العمومية وكذلك الفصل 13 من دستور الجمهورية التونسية في حين أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز قامت في نفس الوقت بإلغاء مشروعين كانت تتفاوض بصددهما منذ بداية سنة 2014 وهما محطة المرناقية ورادس باعتماد المناقصة المفتوحة والمنافسة بين معظم المصنعين.
تحصل التيار الديمقراطي في شخص نائبه وأمينه العام السيد غازي الشواشي على ردٍ مطول من طرف وزارة الطاقة والمناجم في أوائل شهر ماي 2016 . وإن نشكرهم جزيل الشكر علي هذا التوضيح إلا أنه فتح للأسف المجال لعديد التساؤلات الأخرى في خصوص التعامل مع المشاريع والاستراتيجية المتوخاة ولم ينفي تهمة عدم الشفافية وحتى شبهات الفساد. فالفساد لا يعني فقط الرشوة المالية بل وضع الاستراتيجيات الخاطئة وعدم البرمجة المجدية واختيار المعدات الأقل جدوى تقنياً ومالياً، ولكم في ما يلي التعليق على بعض نقاط رد وزارة الطاقة والمناجم بخصوص المشاريع الحالية للشركة التونسية للكهرباء والغاز:
- تبرر الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعاقدها المباشر بخصوص مولد بوشمة بالاستعداد لتوفير قدرة الإنتاج لمجابهة الاستهلاك عند الذروة خلال صائفة 2016 وتشير إلى تأخر إنجاز مشروع محطة “رادس ج” المبرمج دخولها حيز التشغيل سنة 2016 وذلك لمشاكل في تمويله , وحصول أعطاب غير متوقعة بمحطة “سوسة أ” منذ أوت 2015, وتأخر برنامج صيانة محطة “رادس أ” منذ 2013 لعدم موافقة اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية وكذلك حصول أعطاب متكررة وغير عادية بمحطة “رادس ب” وبذلك، ولمجابهة العجز المتوقع والذي سيكون في حدود 425 ميغاواط اضطرت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب التأثير السلبي على النشاط الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وبذلك ارتأت الشركة أن الحل الوحيد الذي بقى لها لمجابهة ذروة 2016 هو اللجوء إلى شركة جينيرال الكتريك رغم أن اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية أبدت رأيها بتاريخ 16 نوفمبر 2015 بعدم الموافقة بخصوص إبرام صفقة بالتفاوض المباشر لاقتناء توربينتين غازيتين ببوشمة، كما ذكرت اللجنة أن الصعوبات التي أوردتها الشركة التونسية للكهرباء والغاز تمثل معطيات متوفرة مسبقاً لدى الشركة وبالتالي كان بالإمكان أخذها بعين الاعتبار وبرمجة المشروع في الإبان في إطار دعوة مفتوحة للمنافسة وذكرت اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز شهدت في 2012 وضعيات مماثلة ودعتها لتفادي ذلك مستقبلاً (مشروع بئر مشارقة(.
إلا أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعتبر أن رأي اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية يكتسي صبغةً استشاريةً ولا يلزم مجلس إدارتها ولذا قررت التعاقد المباشر.
ولو أنني أثني على مجهودات الشركة التونسية للكهرباء والغاز لمجابهة العجز وتجنيب الشعب التونسي انقطاع التيار الكهربائي أثناء صائفة 2016 إلا أنه يجب سوق الملاحظات والتساؤلات التالية:
- من المسؤول عن برمجة المشاريع الجديدة أو برامج صيانة المولدات الموجودة في الإبان في ظل توفر المعطيات مسبقاً لدى الشركة والتي كان بالإمكان أخذها بعين الاعتبار؟ حسب رأيي الشركة التونسية للكهرباء والغاز هي المسؤول الأول والأخير ولا يمكنها في أي حالةٍ من الحالات رمي المسؤولية على عاتق الآخرين ويجب أن تتحملها كاملةً.
- أ لم يكن ممكناً تحويل الموارد المادية المرصدة إلى مشروع بوشمة لصيانة المولدات الموجودة والتي تنتظر منذ 2013 وأوت 2015 ؟
- اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية هي التي لم توافق في 2013 ؟ كنت قد اقتنع بسهولة تامة بهذا المعطى لو لم ترمي الشركة التونسية للكهرباء والغاز بقرار نفس اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية عرض الحائط بخصوص مشروع بوشمة وتعتبر أنه يكتسي صبغةً استشاريةً ولا يلزم مجلس إدارتها .
- قد تكون صيانة المولدات الكهربائية البخارية لا تستجيب لمتطلبات الذروة ، لكن في تلك الحالة ألم يكن ممكناً تحويل وجهة الموارد المادية المرصدة لمشروع بوشمة الاستعجالي والمفاجئ والذي يعتمد على التفاوض المباشر إلى أحد المشاريع المتفاوض بشأنها منذ بداية 2014 في إطار دعوة مفتوحة للمنافسة كمشروع المرناقية (نفس المعطيات التقنية) أو رادس ؟
- تبرر الشركة التونسية للكهرباء والغاز لجوءها إلى شركة جينيرال الكتريك بأنها الشركة الوحيدة القادرة على إنجاز وتشغيل مولد كهربائي في أقل من ثمانية أشهر وتشير إلى أن هذا المصنع مطلع على موقع بوشمة جيداً بما أنه أنجز سنة 1998 تربينة غازية من نفس النوع، كذلك أن محطات إنتاج الكهرباء المستعملة من طرف STEG خلال أوقات الذروة والمركزة منذ 1996 وعددها ثلاثة عشر (13) جميعها من نوع توربينات غازية كالتي يجري حالياً تركيزها في بوشمة، كما أن مهندسي وفنيي الشركة التونسية للكهرباء والغاز ملمين بتشغيل وصيانة هذا النوع من التوربينات.
وهنا أيضاً يجب سوق الملاحظات والتساؤلات التالية:
- مهندسو وتقنيو الشركة التونسية للكهرباء والغاز يعلمون أن مدة إنجاز وتشغيل مولد كهربائي بدورة مزدوجة كرادس ج تناهز ال-32 شهراً في حين أن مدة إنجاز وتشغيل مولد كهربائي بدورة مفتوحة كالمرناقية أو بوشمة تناهز ال-24 شهراً على أقل تقدير، لذا يجوز التساؤل عن جدية إنجاز وتشغيل مولد كهربائي في أقل من ثمانية أشهر، وقد تكمن الإجابة في الإحتمالات الآتية: إما أن المصنع له توربينات مخزنة أو أنه سيستعمل توربينات مستعملة وفي تلك الحالتين يجب لفت النظر إلى طريقة التخزين وما يمكن أن ينجر عنها من مصاريف صيانة إضافية
- مهندسو وتقنيو الشركة التونسية للكهرباء والغاز لهم الكفاءة اللازمة وهم قادرون تماماً على تشغيل وصيانة أي نوع من التوربينات الغازية وليس فقط تلك التي تقترحها شركة جينيرال الكتريك
- محطات إنتاج الكهرباء المستعملة من طرف STEG خلال أوقات الذروة والمركزة منذ 1996 وعددها ثلاثة عشر (13) جميعها من نوع توربينات غازية من صنع جينيرال الكتريك فلماذا إضاعة الوقت وطلب العروض ورأي اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية إلخ؟. فمن الواضح أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز متزوجةٌ بموجب عقد دون إمكانية الفسخ مع هذا المصنع، والسؤال كيف سنتعامل مع المشروع المقبل كالمرناغية مثلاً؟ سنقدم نفس التبرير ونقتني في الأخير التوربينات من جينيرال الكتريك ؟
- تشير الشركة التونسية للكهرباء والغاز إلى أن المشاريع الجاري إنجازها والمتعلقة بالمولدين “رادس ج” و “المرناقية” لم يتم إلغاؤهما، ففي خصوص مشروع رادس (450 ميغاواط) الذي تمت الموافقة على إنجازه سنة 2012 وكان مبرمجاً دخوله حيز التشغيل 2016 بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية الذي تم تعويضه لاحقاً بالوكالة اليابانية للتعاون الدولي “JICA” ، تأخر إنجازه وسيدخل حيز التشغيل في 2017-2018 وذلك لأن الممول أراد فرض المصنع الياباني “MITSUBISHI”، أما بخصوص مشروع المرناقية (حوالي 600 ميغاواط) والمبرمج دخوله حيز الاستغلال سنة 2017, فإن اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية أبدت رأيها بعدم الموافقة على تقييم العروض الفنية والمالية التي قدمتها لها الشركة التونسية للكهرباء والغاز بتاريخ 15 مارس 2016, علماً وأن STEG أصدرت طلبي عروض دوليين لهذين المشروعين بتاريخ 30 ماي و 3 جويلية 2014.
وهنا نشيد بعدم الرضوخ إلى ضغط الممول الذي أراد فرض المصنع الياباني وحاول إقصاء المنافسة المفتوحة لكن في نفس الوقت نبدي مجدداً استغرابنا بخصوص النقاط التالية:
- اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية أبدت رأيها بعدم الموافقة على مشروع المرناقية بتاريخ 15 مارس 2016 في حين أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز أبرمت عقد بوشمة بتاريخ 24 فيفري 2016 بطريقة مباشرة، وهو دليل واضح أنها أرادت هذا العقد الأحادي مهما كان الثمن مع العلم أن المشروعين متشابهين فكلاهما بدورةٍ مفتوحة وكلاهما يعتمد على تربينتين غازيتين وعلماً أن العجز لصائفة 2016 حدد من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز ب-425 ميغاواط دون اعتبار الهامش الاحتياطي المقدر ب- 400 ميغاواط. في هذه الحالة هل الأجدر إنجاز مشروع المرناقية بطاقة تناهز ال-600 ميغاواط أو مشروع بوشمة بطاقة لا تتعدى ال-240 ميغاواط؟ وهل لم يكن بالإمكان توجيه الموارد المالية لهذا الأخير إلى مشروع المرناقية ؟ وهل مشروع بوشمة يعتمد على تمويل ذاتي للبلاد التونسية ؟
- لماذا تستأنس الشركة التونسية للكهرباء والغاز برأي اللجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية الرافض لمشروع المرناقية في حين أنها ترمي بقرارها الرافض والمعلل بعدم الموافقة بخصوص إبرام صفقة بالتفاوض المباشر لاقتناء توربينتين غازيتين ببوشمة عرض الحائط ؟
- تشير الشركة التونسية للكهرباء والغاز أن المشاريع الجاري إنجازها والمتعلقة بالمولدين “رادس ج” (450 ميغاواط) و “المرناقية” (حوالي 600 ميغاواط) سيدخلان حيز التشغيل 2017-2018 بالنسبة لرادس ودورته المزدوجة وسنة 2017 بالنسبة للمرناقية ودورته المفتوحة، في حين أن مدة إنجاز وتشغيل مولد كهربائي بدورة مزدوجة تناهز ال-32 شهراً ومدة إنجاز وتشغيل مولد كهربائي بدورة مفتوحة تناهز ال-24 شهراً على أقل تقدير علماً وأن القرار الذي اتخذ بتاريخ 15 مارس 2016 يدعو إلى إعادة الدعوة إلى المنافسة على أساس كراسات شروط جديدة وبذلك سوف يصعب إن لم أقل يستحيل تنفيذ تلك المشاريع في الأجال المحددة ونعود على غرار ذروة 2013 مروراً بذروة 2016 إلى ذروة 2017 وذروة 2018 وذروة 2019 وبالتالي سنعود إلى إبرام الصفقات بالتفاوض المباشر وتجاهل القوانين المنظمة رغم أن الصعوبات في المجال تمثل معطيات متوفرة وبالتالي يجب أخذها بعين الاعتبار وبرمجة المشروع في الإبان في إطار دعوة مفتوحة للمنافسة وكفانا مشاريع ترقيعية كبئر مشارقة أو بوشمة.
الشركة التونسية للكهرباء والغاز شركةٌ وطنيةٌ يجب أن نفتخر بها ونساعدها على النمو والازدهار لتجنب التأثير السلبي على النشاط الاقتصادي والاجتماعي في البلاد كما سلف وأوردت الوزارة في جوابها هذا ولكن مراجعة النفس ضرورية وعديد المؤشرات ومنها الواردة في هذا المقال تبعث حقيقةً على القلق العميق حتى لا اضطر إلى استعمال عبارات أخرى ونظيف إليها توجهات استراتيجية أخرى يمكن للشركة التونسية للكهرباء والغاز تبنيها وأذكر منها:
- لماذا الاعتماد والإصرار على مشاريع مولدات كهربائية في دورةٍ مفتوحةٍ في حين أن الجميع يعلم أن مولد في دورةٍ مزدوجةٍ يمكنه توفير قرابة ال 50% من الطاقة الإضافية باستعمال نفس كمية الغاز الطبيعي إلا إذا كان الغاز متوفراً ولا يكلف الكثير؟ لكن كما تعلمون فإن البلاد التونسية تقتني معظم الغاز المستهلك سوى من الجزائر الشقيقة أو الشركات المنتجة للغاز المحلي بسعر السوق والعملة الصعبة علماً وأن قرابة ال- 75% من الاستهلاك الوطني لمادة الغاز الطبيعي تستعمل لتوليد الطاقة. للعلم سنة 2013 أنفقت البلاد التونسية قرابة المليارين من الدولارات لشراء الغاز الطبيعي.
- لماذا لا تستثمر الشركة التونسية للكهرباء والغاز في الطاقات البديلة النظيفة والمتجددة كالشمس والرياح إلخ. على غرار المغرب الشقيق الذي سيعتمد مزيجه الطاقي بنسبة ال-42% على الطاقات البديلة في غضون 2020 في حين أنه لا يمثل اليوم نسبة ال-3,5-4% في تونس على أقصى تقدير ؟
طرحنا بتاريخ 11 أفريل 2016 سؤالاً كتابياً وتحصلنا في في أوائل شهر ماي 2016 عن جوابٍ مطول يفتح المجال إلى عديد التساؤلات الإضافية والمعمقة ونلاحض بكل مرارةٍ أن عدم الشفافية وشبه الفساد لا تزال قائمةً وإزدادت توثيقاً. لذا نطالب السلط المعنية بفتح تحقيق محايد في هذا الشأن.
– المستندات: 6 صفحات تمثل إجابة السيد وزير الطاقة والمناجم عن التساؤل الكتابي من طرف السيد غازي الشواشي النائب في مجلس نواب الشعب والأمين العام للتيار الديمقراطي بتاريخ 11 أفريل 2016
المصدر: التيار نيوز