تونسدراسات

زلازل لم يسجلها … سلم ريختر (2/2)

Afficher l'image d'origine

6bbd4e248f96f671ee58e85ee49030d9

د. نادية الحكيم:

 

إن كانت الزلازل المذكورة في الجزء الأول( الأمية، الانقطاع المدرسي، انخفاض نسبة القراءة، الفساد الإلكتروني، تدني ميزانية البحث العلمي، هجرة الكفاءات العربية) محزنة و مؤلمة فإن الزلازل القادمة تثير الشجن ربما إلى درجة البكاء.

الزلزال السابع: نهب الآثار في البلاد العربية
أولا في العراق: إبان التدخل الأمريكي في العراق عام 2003 تم نهب الآلاف من الآثار العراقية والتي لا تقدر بثمن فتم نهب المتحف العراقي والذي اُعْتُبِرَ أكبر سرقة لمتحف في التاريخ وذلك كله تحت أنظار قوات الاحتلال الأمريكي وبمشاركتهم، نُهِبَ من المتحف العراقي أكثر من 13864 قطعة أثرية وهذا عدا عن نهب المواقع الأثرية ونهب لوحات فسيفسائية، لوحات مسمارية وتماثيل رومانية ولكن عملية النهب المنظمة والمخطط لها بدقة كانت نهب الأرشيف اليهودي والذي يحتوي على 3 آلف وثيقة و 1700 تحفة نادرة تُوَثّقُ لسبي اليهود البابلي الأول و الثاني، إضافة إلى آثار يهود العراق، أقدم نسخة للتلمود وأقدم نسخة للتوراة في العالم وكنز نمرود الخرافي و المقدر بـــ 650 قطعة ذهبية أثرية كان موجودا في دولة النمرود. وقد تمت سرقة هذا الأرشيف على يد قوات الاحتلال الأمريكي من مبنى البنك المركزي وأقبية المخابرات العراقية حيث كان مخبأ نظرا لأهميته التاريخية.
نهب الآثار السورية: بدءا من عام 2011 تعرضت الكثير من الآثار السورية لعملية سرقة حيث نُهِبَ أكثر من 300 موقع أثري تحتوي الآثار الإسلامية وآثار حضارات متعاقبة على مدى أكثر من 5000 سنة وأغلب الآثار المنهوبة جرى تهريبها عبر دول الجوار تركيا – الأردن ولبنان ومن أشهر الآثار المنهوبة آثار مدينة تدمر، الآثار اليونانية والرومانية في موقع أفاميا الأثري، نهب متحف مدينة حماة (فيها تمثال يعود إلى العصر الأرامي) نهب مدينة إيبلا الأثرية في محافظة إدلب، نهب 6 صناديق تحتوي قطعا أثرية من متحف الرقة هذا عدا عن التدمير الممنهج لأهم الآثار مثل تدمير معبد (بل) في تدمر، تدمير مئذنة الجامع العمري في درعا. تدمير المئذنة في الجامع الأموي بحلب والتي تعود لألف عام.
نهب الآثار المصرية: والذي تضاعف خلال الفترة بين 2011 – 2013 مثل نهب المتحف المصري في 2011، نهب 6 مخازن ملآى بالتحف الأثرية بالهرم و أسوان والأقصر، نهب آثار فرعونية وإسلامية، نهب دار المحفوظات التابعة لوزارة المالية حيث اختفت مجوعات نادرة من الكتب التاريخية.
والجدير بالذكر أن الكثير من الآثار المنهوبة المذكورة سابقا ظهرت فيما بعد في بلدان مختلفة في أوروبا، تركيا، الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال عثر على 2000 قطعة من الآثار العراقية في الولايات المتحدة (بعضها في منازل جنود أمركيين)
إنه العقاب لأمة تخلّت عن حاضرها وفَرَّطَتْ بمستقبلها وجعلت الهزيمة والخذلان والضعف عنوانا لواقعها. فلا غرابة إذا أن تُعَرّضَ ماضيها للنهب وتَعْرُضُهُ للبيع في المزادات العلنية وإن كان من المستحيل لنهب الآثار أن يلغي التاريخ.
الزلزال الثامن: تهديد الأمن المائي للدول العربية
الأمن المائي هو من أهم تحديات الأمن القومي وتتعرض بعض الدول العربية لعملية اغتصاب منظم لمواردها المائية من قبل دول الجوار عدا عن العجز المائي المتأتي نتيجة الجفاف، ارتفاع درجة حرارة الكون، التزايد السكاني، واتساع المناطق الحضرية حيث أن معظم الدول العربية تقع تحت خط «الفقر المائي» فإذا كان الحد الأدنى لحصة الفرد من المياه حسب الأمم المتحدة محددا بــ 1000 متر مكعب /عام فإنه يساوي 350 مترا مكعبا /عام في البلاد العربية.
وتكمن الخطورة في «حروب المياه» التي تمارسها دول الجوار (والتي هي دول المنبع) على بعض الدول العربية المجاورة كجزء من استهداف الأمن القومي العربي، وكخطوة لابتزازات سياسية واقتصادية لاحقة، تحقق أهدافا ونوايا خبيثة لأطراف مباشرة وأخرى تقف خلف الكواليس، ونذكر هنا تركيا التي نفّذت أضخم مشروع مائي (مشروع الغاب ويضم 22 سدّا) على حوضي دجلة والفرات بشكل مخالف للقانون الدولي ودون أدنى اعتبار تجاه جيرانها سورية والعراق كدول مصب، فاعتبرت نهري دجلة و الفرات نهرا تركيا خالصا «تتبرع» حسب إرادتها بما تشاء من المياه وتمنع متى تشاء. والكيان الصهيوني الذي يُحْكِم السيطرة على منابع نهر الأردن وروافده ومجراه ويستغل أكثر من 80 ℅ من مياه النهر رغم أن نهر الأردن هو نهر دولي يشاطئ أربع دول عربية لبنان، الأردن، فلسطين وسوريا ولكن الكيان الصهيوني حوّله إلى نهر إسرائيلي بحيث يحرم الفلسطنيين من الانتفاع بمياهه. وهذا عدا عن سرقة المياه الجوفية بالضفة والجولان ومياه نهر الليطاني والحصباني والوزاني في لبنان.
أما أثيوبيا فإنها وبخبرات إسرائيلية وتمويلات غربية بصدد إنشاء سد ضخم على نهر النيل (سد النهضة) بدون إعلام الطرف المصري علما أن هذا السد سيُخَفِّضُ حصة مصر من مياه النيل بنمو 12 مليار متر مكعب مما سيؤدي إلى جفاف حوالي 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية (أي بنسبة 24 ℅ من الإنتاج الزراعي) وتشريد أكثر من 4.5 مليون عائلة مصرية عدا عن انخفاض إنتاج الكهرباء من السد العالي المصري بنسبة 30℅.
بات واضحا أن الدول العربية قادمة على حروب مياه لن تستطيع الانتصار فيها وهي في حالة التشرذم والضعف. المؤسف أن كل ما في الأرض العربية وعليها من أرض وسماء وماء وثروات أصبح عرضة للنهب والسرقة وهذا ليس بغريب مادام « المال السائب يُعَلّمُ السرقة» حسب المثل الشرقي.
الزلزال التاسع: الاستثمارات العربية في الخارج:
تتراوح الاستثمارات العربية في الخارج بين 800 – 2400 مليار دولار (بينما الديون العربية 560 مليار دولار) وهي إما خاصة أو حكومية وتتركز أغلبها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وبنسبة قليلة في آسيا (ماليزيا – سنغافورة) وتعتبر الإحصائيات أن حجم الأموال العربية في الخارج يقارب 4.2 تريليونات دولار) وفي المصارف السويسرية( فردوس سرّاق الشعوب) وحدها أكثر من 400 مليار دولار. وتبرز أهمية هذه الاستثمارات في كونها عاملا مهما في تدوير عجلة اقتصاد وتشغيل اليد العاملة في الدول المُسْتَثْمِرِ فيها (رغم وقوفها ضد قضايانا القومية) مقابل أرقام مفزعة تشير إلى أن الفجوة الغذائية العربية بلغت 20 مليار دولار وعدد العاطلين أكثر من 20 مليونا وأن 22 ℅ من جملة السكان يعيشون بدولار واحد في اليوم و52 ℅ بدخل يتراوح بين 2 و 5 دولارات يوميا مما يعني أن ملايين العرب تحت خط الفقر. علما (حسب الإحصائيات) بأنه لو توجهت نصف الأموال المستثمرة في الخارج للاستثمار عربيا لما بقي عاطل عن العمل ولدارت عجلة التنمية ولتحولت المنطقة العربية إلى عملاق اقتصادي.
ألا يساور الخزي والعار أطرافا «امتهنت سقاية نباتات الغرباء» بينما أخوة التراب والتاريخ و الدين و»الضاد» يتضورون جوعا وعطشا.
الزلزال العاشر: الديون العربية الخارجية:
حسب إحصائيات صندوق النقد العربي بلغت المديونية العربية الخارجية عام 2013 مبلغا يتراوح بين 325 – 560 مليار دولار ما بين ديون طويلة وقصيرة الأجل وما بين ديون لدول غنية أو للصناديق الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمقصود بالدين أصل الدين والفوائد الموظفة عليه مع ملاحظة التزايد المتواصل في نسبة المديونية في السنوات الأخيرة نظرا للأوضاع السياسية المتوترة والأزمات الاقتصادية المتتالية مقابل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي ومع ما يرافق ذلك من تزايد معدلات البطالة ، انخفاض إشباع الاحتياجات الأساسية للمواطن وتدهور أحوال الطبقة المتوسطة والفقيرة.
والأخطر في مسألة الديون هي الشروط المجحفة التي يفرضها الطرف الأقوى (المُقَدّمْ للقرض) سواءا من حيث فترة سداد الدين، سعر الفائدة، الضمانات، فترات السماح وصولا إلى ربط القروض باستيراد منتجات معينة من الدول الدائنة أو فرض سياسات اقتصادية أو تقديم تنازلات سياسية معينة كما حصل مع الأردن عندما طلب قرضا من صندوق النقد الدولي لبناء سد على نهر الأردن واشترط فيه الصندوق حصول الأردن على موافقة الكيان الصهيوني على هذا المشروع !!! مما أدى لإفشاله. أو كما حصل إثر حرب الخليج الثانية من إعفاء بعض الدول من ديونها اعتمادا على مواقف سياسية محددة تجاه هذه الحرب.
وهذا يعني أن الديون المُقَدَّمَةِ هي «عصا مُسَلَّطَة على رقاب الشعوب» تتحرك بالاعتماد على مبدأ «الثواب والعقاب» ومبدأ «العصا لمن عصى»
لن تتوقف الأمور عند هذه الزلازل لأنها وككل الزلازل تمتلك هزات ارتدادية لا تقل عنها خطورة كاستفحال الفساد والرشوة، تصدير الإرهاب، تقسيم الدول العربية، تهديد الأمن القومي العربي، الحروب، القلائل السياسية والاقتصادية المتواصلة، الانحطاط الاجتماعي والثقافي، وكلها تعبّر عن وضع عربي متردٍ غارق في السوداوية والتناقضات.
أعلينا أن نتلقى مزيدا من الصفعات للاستفاقة من «الكوابيس السعيدة». أم أننا بحاجة إلى صعقات كهربائية تعيد الرشد لكل المفسدين من شعوبنا من حكّام ونخب وصناع قرار ومستقبلي الأوامر الخارجية وعملاء وخونة ولصوص الشعوب وتجار الحروب وغيرهم ممن حَرِيٌّ بهم أن يكونوا إما في المصحات النفسية أو العلب الليلية أو خلف القضبان أو … محكمة لاهاي.
وحتى ذلك الحين… ويحا لنا «وبالأرقام».

 

المصدر : جريدة الشروق 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق