
د. نادية الحكيم:
دقائق معدودة هي مدة الزلازل الأرضية لكنها كافية ليسجلها سلم قياس الزلازل ريختر ولينذر بما هو قادم من الهزات الارتدادية، بينما لعقود من الزمن تهتز مجتمعاتنا تحت وقع زلازل اجتماعية، اقتصادية وثقافية. تتسكع أخبارها أمامنا في الجرائد، نشرات الأخبار، صفحات الأنترنات دون أن تهتز شعرة لشعوبنا العربية وصناع قرارها ودون أن نتمكن من التقاطها وتسجيلها كما ينبغي لاتخاذ إجراءات ناجعة تحد من آثارها المدمرة، سنورد بعضا منها:
الزلزال الأول: تدني نسبة القراءة عند العرب:
حسب إحدى الإحصائيات فإن الأوروبي يقرأ 35 كتابا في السنة، والمواطن في الكيان الصهيوني يقرأ 40 كتابا في العام، بينما 80 عربيا يقرؤون كتابا واحدا في العام (وبعملية حسابية) فإن ثقافة أوروبي واحد تعادل ثقافة 2800 عربي.
علما أن أكثر الكتب مبيعا وقراءة (حسب إحصائيات معارض الكتب) هي الكتب الدينية وكتب الطبخ والأبراج.
وينسحب الأمر على العلاقة المتكاملة بالكتاب فحسب إحصائيات اليونسكو فإن الدول العربية مجتمعة (في إحدى السنوات) أنتجت 6500 كتابا مقارنة بــ 102.000 كتاب في أمريكا الشمالية و 40.000 كتاب في أمريكا اللاتينية (من نفس العام) إحصائيات كافية لتحيل أقلام الكتاب والمبدعين إلى التقاعد الإجباري، ورغم ذلك من الغبن تبني مقولة «أمة إقرأ لا تقرأ» ما دمنا خير من يقرأ الكف و الفنجان، وكتب الطبخ .
الزلزال الثاني: الأمية في الوطن العربي:
بتبني معايير معرفة أبجديات القراءة والكتابة فإنه وحسب الإحصائيات بلغت نسبة الأمية سنة 2014 19بالمائة وعدد الأميين 96 مليون عربي أي أن واحدا من كل خمسة من العرب يعاني من الأمية وهي تعتبر من أعلى النسب عالميا وإن كان هناك تفاوت بين دولة وأخرى حيث أن النسبة الأعلى من نصيب موريتانيا في حين أن النسبة الأدنى من نصيب فلسطين !! وقطر 2بالمائةبينما في مصر ربع السكان أميون، وثلث السكان في المغرب و 14 بالمائة في سوريا. والمؤسف هو عودة الأمية في دول أعلنت فيما مضى القضاء نهائيا على الأمية. كما العراق والذي بفضل برامج محو الأمية وتعليم الكبار تم القضاء فيه على الأمية في ثمانينات القرن الماضي، لتعود و تطل بوقاحة أسبابها لتصل في عام 2014 إلى 20 بالمائة.
وربما باعتماد معايير الثقافة العامة و المعرفة الشاملة حتى في أبسط أوجهها فإن هذه النسب تتضاعف إلى درجة يندى لها جبين التاريخ و الحضارات.
الزلزال الثالث: الانقطاع المدرسي:
ويقود موضوع الأمية إلى ما هو أشد أسبابها خطورة وهو الانقطاع المدرسي.
تشير الإحصائيات إلى أن 13 مليون طفل عربي خارج أسوار المدارس نتيجة النزاعات في الشرق الأوسط ومحليا في تونس 100 ألف تلميذ انقطعوا عن الدراسة عام 2015 و 6 آلاف من المرحلة الابتدائية وبعدد جملي 350 ألف طفل منقطع بين سن 6 و 18 عاما رغم إجبارية التعليم.
هنيئا للشوارع ولدهاليز المجتمعات السفلية بالأفواج الجديدة من الأبرياء الذين ستبتلعهم بلا رحمة. وهنيئا لأسواق العمل الرخيصة، ولساحات الرداءة بالقادمين الجدد إلى حضيضها.
وكفانا أحلاما بأن تنمو الورود فوق أكوام القاذورات
الزلزال الرابع: الفساد الإلكتروني:
ويدخل تحت هذا المصطلح القمار الإلكتروني، الدخول إلى المواقع الإباحية، تبذير الوقت بالإبحار على صفحات التواصل الاجتماعي. عدا عما يسمى بالجرائم المعلوماتية.
وتحتل الدول العربية مراتبا متقدمة عالميا بكل المؤشرات السابقة الذكر وهي مؤشرات خطيرة تدل على إخلالات اجتماعية تضرب أعماق المجتمعات وخاصة المحافظة منها بما تخلقه من مشاكل اجتماعية واضطرابات على مستوى الشخصية الفردية، خاصة في ظل غياب الرقابة العائلية.
تحتل تونس المرتبة 33 من مجموع 247 دولة في مجال القمار الإلكتروني وهي نسبة مثيرة للجدل في بلد يشهد أزمة اقتصادية حادة ولكنه مؤشر يوضح مدى الإحباط في أوساط الشباب التونسي نتيجة البطالة والأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، مع الأخذ بالحسبان البحث عن الكسب المريح و السهل و الوفير.
من ناحية أخرى فإن عددا من الدول العربية تحتل المراتب الأولى عالميا من حيث تصفح المواقع الإباحية، حيث أن تقرير أحد المؤسسات كشف أن أكثر مستخدمي الأنترنات العرب يبحثون عن كتب الطبخ والمواقع الإباحية. بتقدم بعض الدول للقائمة وهي مصر، الإمارات، الكويت والسعودية رغم وجود الرقابة والحجب.
الزلزال الخامس: ميزانية البحث العلمي في الدول العربية:
ودائما مع الإحصائيات التي تورد أن إنفاق الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي لا يعادل ما تنفقه جامعة أمريكية واحدة.
فالإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية هو 0.2 – 0.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو من أدنى المستويات في العالم. فهذه النسبة في الولايات المتحدة هي 2.68، اليابان 3.018بالمائة، فنلندا 3.0بالمائة أما أعلى نسبة للإنفاق على البحث العلمي فهي في الكيان الصهيوني؟؟؟!!! وتعادل 4.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لا غضاضة في كوننا نحتل ذيل قائمة البحث العلمي لأننا على الأرجح لا نزال في مقدمة الباحثين عن «سرّ الكون» الغامض وهو من السابق «البيضة أم الدجاجة»
وتحيلنا الإحصائيات المتعلقة بالبحث العلمي إلى الزلزال السادس.
الزلزال السادس: هجرة الأدمغة والكفاءات العربية إلى الغرب:
حسب إحدى الإحصائيات فإن 70 ألف من أصل 300 ألف من جملة البكالوريوس و الماجستير من العرب في الهجرة، وأن حملة الدكتوراه العرب يعادل في الولايات المتحدة 150 ألفا وهي تعادل نسبة ¼ حملة الدكتوراه في الولايات المتحدة.
وأنه أكثر من ثلث الكفاءات والعقول العربية مهاجرة.
وأن أكثر من مليون وربع عالم عربي في الخارج وأن 34 بالمائةمن الأطباء الأكفاء في بريطانيا ينتمون إلى الجالية العربية.
وأكثر الدول اجتذابا للذكاء العربي هي الولايات المتحدة وكندا. بينما أكثر الدول العربية تصديرا للكفاءات العلمية هي مصر، لبنان، فلسطين، الأردن.
الأرقام المفزعة عن نزيف الذكاء العربي إلى الغرب سيشكل تحديا كبيرا تواجهه الشعوب العربية باعتبار أن هذه الكفاءات هي القاعدة الأساسية لنهضة علمية متكاملة، لا غنى عنها لتقدم الدول العربية ولكن ضغوطات الواقع العربي الأليم المليء بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تشكل محرضا قويا للهجرة إلى الخارج خاصة في ظل وجود أنظمة بيروقراطية جل اهتمامها منصب على السلطة والحكم وديمومة الكراسي وآخر اهتماماتها وأهدافها يمثل البحث العلمي و المعرفة.
على القائمين على جائزة غينيس للأرقام القياسية ابتكار جائزة جديدة بعنوان « جائزة الرداءة» وسيكون العرب أصحابها بامتياز.
المصدر: جريدة الشروق