
وليد أحمد الفرشيشي:
جرت العادة في تونس أن تكون الأسماء المرشحة لمناصب عليا في الدولة أسماءَ سريعة الاشتعال، بمعنى أنّ كل اسم يسرّب هو اسم مرشح بالفعل للاحتراق. هذه العادة، في لعبة المصالح والحسابات والمناورات السياسية، التي تحرّك مبادرة رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، تظلّ الثابت الوحيد الذي يمكن الاطمئنان إليه والشارع السياسي يشهد حالة اغراق غير مسبوقة بأسماء مرشحين مفترضين إلى المنصب الأغلى (الأغلى من جهة التكلفة التي سنبسطها فيما بعد) أي منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
والحقيقة أن أسماء معروفة على الساحة كالشاذلي العياري أو مصطفى كمال النابلي مرورا بناجي جلول وسليم شاكر وحاتم بن سالم وعبد الكريم الزبيدي وغازي الجريبي انتهاء برضا شلغوم، تبدو أسماء مغرية، ولكنّ تسريبها وبشكل، يبدو هيستيريا، يجعل منها أيضا أسماء محروقة في لعبة لا يملك الكلمة الفصل فيها سوى صاحب المبادرة نفسه، أي الباجي قائد السبسي.
والحالة تلك، يبدو السؤال مغريا بالفعل، من هو الاسم الذي سيحظى بشرف تتويج مبادرة الباجي قائد السبسي؟ بمعنى أدق، من الاسم الذي يمثل ورقة الباجي قائد السبسي الحاسمة؟
وقبل أن نقدم اسم رئيس الحكومة القادم (وهذه معطيات نمتلكها حصريا) نعتقد أنّه من المناسب جدّا طرح بعض الملاحظات المنهجية، التي ستوضّح أسباب اختيار هذا الاسم تحديدا.
الملاحظة الأولى، تتعلّق برغبة الباجي قائد السبسي في انتزاع أكثر ما يمكن من صلاحيات مع هامش تحرّك مريح وهو الذي وجد نفسه مكبّلا بالدستور التونسي الذي حدد طبيعة النظام السياسي. وما تسريب وثيقة الهيكلة الجديدة للحكومة، التي يمكن اعتبارها خرقا واضحا لمنطوق الفصل 92 من الدستور الذي ينص على أن هيكلة الحكومة من مشمولات رئيس الحكومة، إلا دليلا إضافيا على أنّ رئيس الجمهورية يسعى إلى توسيع صلاحياته على حساب رئيس الحكومة القادم ودون المرور بأي تعديل دستوري.
الملاحظة الثانية، مسعى رئيس الجمهورية لا يمكن أن ينجح إلا بشخصية يختارها هو. شخصية تكون من دائرته الضيقة تعمل معه بتناغم حتى لا نقول تأتمر بأوامره دون الخروج عن الخطوط المحددة سلفا. ولأن أغلب الأسماء المرشحة لا يمكن أن تلعب دور خيال الظل لرئيس الدولة، فإنّ الورقة الوحيدة التي يملكها الرئيس هي في تصعيد اسم قريب منه وغير متداول اعلاميا. علما، وهذا معطى حقيقي، نال رئيس الجمهورية اليوم “مباركة” زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، الذي وعده صراحة بدعم أي اسم يختاره قائد السبسي.
الملاحظة الثالثة، وهي الأهم، هو أن الاسم الذي سيختاره الرئيس يجب أن يكون عضوا في حكومة الحبيب الصيد، لجملة من الاعتبارات، لعل أبرزها تمرّس المعني بالأمر بالعمل الحكومي، إضافة على اطلاعه على جملة الملفات التي نوقشت وتناقش في المجالس الوزارية.
هذه الملاحظات تجرّنا إلى نقطة شديدة الأهمية، وهي ان رئيس الجمهورية الذي يعرف ضمنا انّه بلا حزب يمكن الاعتماد عليه، في ظل اشتداد صراعاته الداخلية، يحتاج إلى شخصية توافقية ولكن، للمفارقة، من داخل حزبه. شرط أن تحظى هذه الشخصية بتوافق مختلف الأطراف وهو ما يستقيم مع مطالب حزبه في أن يكون رئيس الحكومة من نداء تونس وليس من خارجه.
ثمّ لا يجب أن ننسى هنا أنّ رئيس الجمهورية ومعه حليفه الرئيسي راشد الغنوشي لا يمكن بأية حال ان يخاطرا بموعد انتخابي مهم في سنة 2017 هو الانتخابات البلدية التي ستثبت نهائيا طبيعة المشهد السياسي والقوى المتحكمة فيه.
إذن، من هذه الشخصية التي تتوفّر فيها كل هذه “الشروط”؟
هو بلا شك السيد يوسف الشاهد، وزير الشؤون المحلية، هذا الاسم الذي لم ينتبه إليه المولعون بالتسريبات. وحين نؤكد على شخص السيد يوسف الشاهد، فاننا نتحرك ضمن دوائر كبرى: أولا ضمن دائرة “المعطيات”، وثانيا ضمن دائرة الاستقراء وثالثا ضمن دائرة “التسويق”.
ففي دائرة المعطيات، تؤكد مصادرنا، من الحزام الضيّق المحيط رئيس الجمهورية، أن اسم يوسف الشاهد كان ولا يزال مطروحا بشدة، لاعتبارات عديدة لعلّ أهمها ثقة رئيس الجمهورية فيه خاصة أنه أحد المقربين منه.
وهو ما يستقيم مع دائرة الاستقراء، إذ تتوفر في السيد يوسف الشاهد، علاوة على قربه من رئيس الجمهورية، جملة من المميزات “التفاضلية” يمكن إجمالها فيما يلي:
– السيد يوسف الشاهد، تم تصعيده، في أزمة نداء تونس، إلى رئاسة لجنة الـ 13 التي كانت وراء تثبيت الحزب في حقل رؤية الرئيس. إن تعيين يوسف الشاهد كان وقتها بقرار رئاسي وهو ما حوله إلى رقم صعب في معادلة الصراع بين شقي حافظ قائد السبسي ومحسن مرزوق، وهو الصراع الذي بتنا نعرف مآلاته جيدا. ومن ثمة، فإن ثقة الرئيس المباشرة في يوسف الشاهد، أهلت الأخير إلى أن يكون الشخصية التوافقية داخل الطيف الندائي، ومن ثمة تبدو الطريق سالكة أمامه ليكون مرشح النداء لرئاسة الحكومة.
– السيد يوسف الشاهد، بعد نجاحه في مهمته الأولى، أسندت له حقيبة الشؤون المحلية، وهي حقيبة مستحدثة، كان من أبرز مهامها إعداد القانون الانتخابي الخاص بالبلديات، وهو قانون يتفق الجميع على أنه جاء على مقاس حركتي نداء تونس والنهضة. ومن ثمة، والبلاد تنتظر موعدا انتخابيا هاما في سنة 2017، لا يمكن بأية حال تسليم الملف إلاّ لمن أشرف عليه مباشرة، وهنا تلعب الظروف مرة أخرى لصالح السيد الشاهد.
– السيد يوسف الشاهد، يعتبر من أبرز دعاة التوافق مع حركة النهضة، وهو في ذلك لم يخرج عن خط رئيس الجمهورية في عدم كسر التوازنات التي يقوم عليها المشهد السياسي. ناهيك وأنه شخصية مقبولة لدى قيادة النهضة. كما لم يعرف عنه أن دخل في حالة صدام مع الأحزاب السياسية أو مع منظمة الأعراف، التي يحتفظ بعلاقات متميزة مع أغلب فاعليها، أو المنظمة الشغيلة.
ما بسطناه يستقيم أخيرا مع دائرة “التسويق”، إذ هنا أيضا يتحوّز يوسف الشاهد على جملة من المميزات “التفاضلية” من ذلك أنه:
– شخصية متوازنة لا تحبّذ الظهور الإعلامي كثيرا وتحترم جيدا الخطوط المحددة لها سلفا.
– شخصية غير صدامية، سواء داخل حزبه أو خارجه، إضافة إلى انضباطه الشديد وإلمامه بالملفات التي تعهد إليه.
– إضافة تكوينه الأكاديمي ووظيفته السابقة كأستاذ جامعي وخبير دولي في السياسات الفلاحية لدى عدد من المنظمات الفلاحية الدولية كالاتحاد الاوربي ومنظمة الأمم المتحدّة للأغذية والزراعة، واتقانه لأربع لغات حية، فإنّ للرجل علاقات دولية مهمة مع ملكات اتصالية تجعل منه وجها مقبولا في الخارج.
– وأخيرا، السيد يوسف الشاهد هو من مواليد 18 سبتمبر 1975 في تونس، وعامل السنّ يجعل منه شخصية “شابة” يمكن تسويقها بسهولة خاصة في ظل حرص رئيس الجمهورية على “تشبيب” حكومته القادمة، وهو ما طرحه بشكل ما في وثيقة المبادرة التأليفية.
إنّ ما بسطناه ليس رجما بالغيب، بل هي القناعة الحاصلة لدى رئيس الجمهورية، الذي يسعى إلى إنهاء ولايته بأخف الأضرار الممكنة وبصلاحيات تسمح له بتثبيت إحداثيات الفترة التي تليها. وإذ تصر مصادرنا على أن يوسف الشاهد هو الورقة الحاسمة لدى الباجي قائد السبسي، فإن تكلفة هذا التعيين، ستكون باهظة، على اعتبار أنّ تشخيص أزمة البلاد لم يلامس الجوهر. فالأزمة لم تكن يوما أزمة أشخاص بل هي أزمة “برنامج” واضح بعناوين اصلاح واضحة، وهذا ما سيجعل من مهمة رئيس الحكومة القادمة، أشبه بالقفز على ساق واحدة وسط حقل ألغام مساحته تمتد على ثلثي البلاد.
المصدر: الوطن الجديد