تونس: أين اختفت الفرق الموسيقية التابعة للدولة ؟

نجوى الحيدري:
من يقف وراء اختفاء وتراجع نشاط الفرق الموسيقية التونسية التي تعود الى سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات ؟ لماذا غابت عن الساحة رغم ما قدمته للموسيقى التونسية ورغم عراقتها وتاريخها الذي يعود الى بداية الإستقلال؟ خطير ما يحدث لهذه الفرق التي تعد رمزا من رموز البلاد حسب اهل الإختصاص.
الراشدية، فرقة الفنون الشعبية، فرقة الإذاعة، الفرقة التونسية للموسيقى … اسماء لفرق موسيقية عمرها عشرات السنين ضمت اهم الأسماء الفنية منذ بداية الإستقلال ولعبت دورا هاما في تنشيط الساحة الثقافية وانتشار الأغنية التونسية وبروز عدد من الأصوات التي وجدت طريقها الى النجاح والنجومية في تونس وفي العالم هذه الفرق لم يبق من بعضها سوى الأسماء تراجع نشاطها وتقاعد أعضاؤها وبدات تختفي عن الساحة في حين اكد عدد من الموسيقيين والفنانين ان الأسباب كثيرة وراء تراجعها لعل ابرزها. غياب الإرادة السياسية انتهاج الوزارة سياسة التهميش وتراخي المسؤولين في التشجيع وايجاد الحلول الجذرية لإحيائها من جديد ….
تراجع الفرق يعود بالأساس الى غياب الإرادة … والحلول كثيرة لإعادة احيائها :
ولأنه يحمل ذاكرة الموسيقى التونسية الموسيقى حمادي بن عثمان يتحدث في هذا الشأن ويقول « هناك مجموعة من الفرق الموسيقية التي ظهرت سابقا ومازالت متواصلة الى اليوم واولها فرقة الإذاعة التي تكونت سنة 1957 وهي موجودة الى حد اليوم لها قيمتها من حيث رعاية الإنتاج وهي في حد ذاتها خلية للإنتاج وقامت بدور كبير على الصعيد الوطني والإجتماعي والعاطفي والإنشاد الديني وقدمت الكثير من الألحان الجميلة واعمالا كبيرة لها قيمتها في الساحة وأنتجت أصواتا جديدة مازالت فاعلة الى حد اليوم…» يضيف محدثنا « ثم ظهرت فرقة مدينة تونس للموسيقى العربية أواخر السبعينات أسسها محمد القرفي وقدمت هي الأخرى عديد الأعمال الفنية وساهمت في بروز أصوات رائعة على غرار فاطمة بن عرفة وذكريات وثامر عبد الجواد … وقدمت اعمالا متنوعة بما في ذلك «المغناة الركحية» وعام 1985 ظهرت الفرقة الوطنية للموسيقى وساهمت في تأثيث الساحة بأعمال هامة وظهور أصوات جديدة مثل نجاة عطية وامينة فاخت وذكرى محمد والشاذلي الحاجي ولطفي بوزيان وعبد الوهاب الحناشي وكريم شعيب … يقول حمادي بن عثمان « هذه الفرق لها تاريخ لكن تراجعها اليوم يعود بالأساس لإرادة وتوجه من المسؤولين ثم التراخي عن تشجيع هذه الفرق التي من دورها الأساسي احداث التوازن ونشر الأعمال الموسيقية القيمة التي يبرز فيها الملحنون والأصوات الجديدة يتساءل محدثنا … ،» هذه الفرق لست ادري ماذا تفعل اليوم ؟ ففرقة الإذاعة موجودة لكنها لا تقدم الجديد…» يقول الموسيقي بن عثمان « اما الفرقة الوطنية التي سبقني في تأسيسها عزالدين العياشي والتي أدرتها من سنة 1985 الى سنة 1990 كانت تقدم حفلات دورية وإنتاجات جديدة على مدار السنة وكانت فاعلة بشكل كبير ومميز في تلك الفترة لكن اليوم اقتصرت على بعض عروض التكريم اوالعروض المناسباتية والصيفية فأين دورها في الإنتاج ؟ وتبقى فرقة الراشدية التي حافظت على مسارها..» حمادي بن عثمان قال ايضا « هناك من ارجع هذا التراجع الى قلة الموارد المالية ..ارد واقول ان وزارة الثقافة لديها ما يسمى بالتشجيع على الإنتاج وترصد له اموال طائلة لكن اصحاب الأعمال لا يجدون طريقة لتسجيل أعمالهم فلماذا لا تقوم فرقة الإذاعة بتسجيل هذه الإنتاجات ويتم نشرها عبر الجماهير؟ … هناك العديد من الحلول لإحياء هذه الفرق من جديد وتبتعد عن تكرار اغاني الآخرين والموتى ويكون هناك مواعيد لتقديم الجديد هذا ما فقدناه وهذا ما نصبواليه « من جهة اخرى يضيف محدثنا « هناك بعض المغنين من يريدون النشاط بمفردهم هل هم قادرون على ذلك ؟! لابد من الإلتفاف وخاصة الفرق الرسمية التي لديها ميزانيات من المال العام يجب ان يكون لديها فائدة على الفنان وعلى المتلقي اذن فالرعاية تنطلق من المؤسسات الرسمية والنشاط داخل هذه الفرق لتعود من جديد وتتنافس وتقدم ماهوخير للموسيقى التونسية .»
هناك لوبيات داخل وزارة الثقافة عملت على اندثار الفرق الموسيقية العريقة:
الفنانة سلاف التي غنت تقريبا في اغلب الفرق الموسيقية التونسية التي ظهرت سنوات السبعينات والثمانيات تفاعلت مع الموضوع وقالت انها متفائلة بوجود فنانة على رأس وزارة الثقافة التي قد تغير من الوضع خاصة وأنها على بينة بمعاناة زملائها في حين اكدت ان هناك منذ سنوات لوبيات في وزارة الثقافة مسيطرة على القطاع تتعامل فقط حسب المصالح والولاءات والصداقات … وهوما ساهم حسب اعتقادها في تراجع عمل هذه الفرق التي لم تجد من داعم لها … سلاف قالت ايضا «هذه الفرق ساهمت في انتشار الأغنية التونسية في العالم زمن السبعينات والثمانينات على غرار الفرقة القومية بقيادة عبد الرحمان العيادي وفرقة الفنون الشعبية… هذه الفرق تجولت في العالم وتنافست مع فرق عالمية ونالت الجوائز … على الأقل اعترفوا بما قدمته هذه الفرق للفن التونسي دون مقابل وأعيدوا لها الحياة حتى نستطيع ان نشتغل صلبها فنحن مازال لدينا ما نقدم واعلموا جيدا ان السنين لا تؤثر في الفنان مادام يملك صوتا وقادرا على الوقوف على الركح ..»
هناك توجه جديد نحو محو الفرق الموسيقية وفرقة الإذاعة كانت في سبات بسسب المسؤولين:
الموسيقي نبيل زميط ورئيس مصلحة الموسيقى في فرقة الإذاعة يقول « هناك توجه جديد نحومحوهذه الفرق لتحل محلها جماعات اخرى لديها سند من اصحاب القرار … لكن ما أودّ التأكيد عليه هوان فرقة الإذاعة صحيح انها كانت في سبات والسبب في ذلك المسؤولين والمصالح الخاصة لكنها عادت للنشاط وآخر نشاطاتها احياء حفل المهرجان العربي للاذاعة والتليفزيون . من جهة اخرى يقول محدثنا « هناك مشروع جديد نحواحياء حفل كل شهرين « واكد نبيل زميط ان شوقي الطبيب الر مع للاذاعة مهتم كثيرا بنشاط الفرقة وعبر عن دعمه لها مضيفا انهم الآن بصدد تسجيل اغان لمحمد الماجري ولطفي بوشناق والتحضير لحفل يوم 28 ماي الجاري سينتظم امام الإذاعة بمناسبة خمسينية التلفزة …نبيل زميط تحدث ايضا عما تمر به فرقة الفنون الشعبية التي اعتبرها من اهم وأقدم الفرق التونسية مضيفا ان اي عضومن اعضائها يحال على التقاعد تنته مسيرته الفنية وهذا خطير على حد تعبيره.
غياب الإرادة السياسية «قتل» فرقة الفنون الشعبية وقضية مرفوعة ضد وزارة الثقافة:
احد اعضاء فرقة الفنون الشعبية طارق عوني يتحدث عن مشاكل الفرقة ويقول» اسباب تراجع نشاط الفرقة عديدة ولها تاريخ غياب الإرادة السياسية وغياب مفهوم مصلحة الدولة واحالة اعضاء الفرقة الذين يعودون الى سنوات الستينات على التقاعد ودخول المصالح على الخط … كلها اسباب ساهمت بقوة في تراجع الفرقة ايضا هناك تهميش اداري من طرف وزارة الثقافة لفرقة تعتبر عنوان للتراث التونسي فهي من الفرق الأولى أسسها صالح المهدي وأمضى عليها بورقيبة وهي التي أنتجت الراشدية والفرقة التونسية للموسيقى … فرقتنا متحصلة على 9 ميداليات ذهبية و8 فضية …» هذه الفرقة يقول طارق العوني جمعت بين الموسيقى و التراث والرقص لكن بدات تفقد إشعاعها بسبب المسؤولين الذين أرادوا تهميشها دون مراعاة للفرقة التي تعتبر شعار البلاد ورمزها … يضيف محدثنا الفرقة «قتلوها» منذ عشرين عام بدات فرقة الفنون الشعبية تعيش حالة من التضييق وتهميش اداري بحت لا تدرج في السلم الوظيفي ولا ترقيات لأعضائها الذي تراجع عددهم الى 7 اعضاء فقط كما تم تجميد القانون الأساسي لها لذلك رفعنا قضية ضد وزارة الثقافة في هذا الغرض …» يقول محدثا « هناك سياسة جديدة نحوخوصصة هذه الفرقة في حين انه لا يجوز خوصصة التراث … الوزارة تريد الغاء الفرقة لان ليس وراءها مصالح مادية والدولة غير مستعرف بهذه الفرق والإعلام متهم بالتقصير …».
المصدر: جريدة الشروق