تحاليلتونس

تونس: ما النهضة؟

Afficher l'image d'origine

 مقداد إسعاد: 

 

النهضة ببساطة وبالتعريف الأكاديمي القانوني هي جمعية سياسية. والجمعيات تعرف بأهدافها المعلنة. تتخصص ويعلن مؤسسوها عن ميدان نشاطها ضمن الفضاء الرحب للمجتمع المدني. الجمعيات السياسية هي أحزاب تحتل موقعا ضمن المجتمع السياسي، هدفها ببساطة هو الحكم. الحكم على أساس برنامج سياسي لا يتجاوز حتما محيط الدولة، التي وحدها تملك السيادة المطلقة على البلاد. أيضا من الناحية العملية المشروع السياسي يحتاج الى وحدة سياسية ثابتة، عقلانية بمكوناتها وامكانياتها وساكنتها. وهي معطيات ضرورية لبناء المشروع السياسي الذي تختار على أساسه الساكنة الوطنية من يحكمها. والساكنة أي الشعب، هي وحدها من دون أي شعب اخر أو أي جهة أخرى (من الانس أو الجن) لها حق الاختيار. بهذا التذكير نصل الى ماهية حركة النهضة. هي جمعية سياسية تهدف الى حكم تونس بعد اقناع شعب تونس وليس غيره بأنها الأجدر أن تحقق تطلعات له، يكون الحزب قد فهمها ودرسها بوسائله المعرفية المختلفة، ثم يستعمل الوسائل التوضيحية والدعائية المشروعة حسب قانون الدولة التونسية وحدها للإقناع بأفضليتها في ميدان التنافس السليم… النهضة كأي حزب هي مدينة في وجودها أصلا الى الدولة التونسية السيدة على أرضها وشعبها والمصدر الوحيد لقوانينها، اذ لا تعلو على سيادتها سيادة… طلبت الحركة الإسلامية التونسية اعتمادا من الدولة التونسية الموقرة في 6 جوان 1881، ولم يقع الرخيص لها ثم اعتمدت النهضة بعد الثورة سنة 2011. لهذا يكون نقاش الفصل بين الدعوي والسياسي حوار مغلوط ولا يستقيم. ذلك أنه من قرر ترك مجال السياسة لم تعد صلة عضوية بحزب النهضة، وانتهى. أيضا لا بد أن نذكر أن الأحزاب السياسية وهي ضمن أعلى هرم المجتمع، أي المجتمع السياسي، ليست مفصولة عن المجتمع بل تنشط ضمنه، فهو ميدان نشاطها وخدمته وفهمه هي أصلا مهمة الحزب. تتواصل الأحزاب بالمستويين الاسفلين في هذا الهرم وهما المجتمع المدني المتحرك والحر والنشيط وأيضا الجزء الهيكلي السفلي الصلب وهو الثابت في المجتمع من هوية وعادات وتقاليد ونظم تاريخية أصلية فيه. الأحزاب السياسية لها امتدادات معلنة واضحة في المستويات الأخرى ضمن تخصصات كثيرة مثل المال والشياب والمرأة وغيرها. هذا وكما أن للأحزاب امتدادات داخليا فيما وراء المجتمع السياسي، لها أيضا علاقات خارجية يضمنها لها القانون، وهي من يحددها بحرية بحسب مصالحها، وحتى انتماءاتها الأيدولوجية. نسمع كثيرا في تونس نقدا للنهضة أن تكون لها علاقات بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، هي زوبعة تفسد في كثير من الأحيان الجو السياسي والمجتمعي. وفي المقابل لا تسمع الا تثمينا وافتخارا أن يكون رئيس حزب تونسي مثلا رئيسا شرفيا للاشتراكية الأممية. هذا أما قبول شخصيات وأحزاب في السفارات والقصور الحاكمة هنا وهناك فمجلبة للاحترام ودليل قوة. النهضة تكون وحدها صاحبة الحق في تحديد علاقتها بأي منظمة عالمية ما لم تخرج عن القانون التونسي. أخيرا أيضا يبقى لا بد من التوضيح أن الاخوان المسلمين لا يمكنهم أن يكونوا مشروعا سياسيا لتونس ولا حتى لأي بلد قطري، ليس للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ماهية قانونية ولا حتى سياسية. ولو أراد أن يكون كذلك فلن يفرض بشكل فوقي خارجي بل بقرارات سيدة من أحزاب قطرية تجتمع على ميثاق يقبله الحزب بما يسمح به قانون بلده السيد على كل شأنه. النهضة حركة إسلامية، هل يستقيم هذا التصنيف؟ ما هي علامة إسلامية الحزب؟ أنا أفهم الإسلامية التزاما، وقيدا في الممارسة السياسية. يجتمع الحزب الإسلامي مع غيره في السعي لإصلاح وتسيير بلد واحد يشترك فيه الجميع. يأتي كل حزب من رصيده الأيديولوجي فكرا وممارسات من داخل وخارج البلاد أيضا يستوحي منها حلولا لبلده يعرضها على شعب سيد يحميه قضاء وجيش وقانون دولي. الإسلاميون لا يختلفون عن غيرهم الى هذا الحد. فهم لا يأتيهم الخبر من السماء، كما انهم بقبولهم للعمل السياسي تحت رقابة وسيادة الدولة القطرية يتساوون في الحقوق والواجبات مع غيرهم. ما يميز الإسلاميين عن غيرهم هو أن يزيدوا الى عملهم قيودا إضافية بشكل ارادي لما يعتبرونه من الواجبات الشرعية، تماما كما يضع الملتزم بالتنمية المستدامة له قيودا فلا يفسد المحيط مثلا وهو يكثف انتاجه ليزيد في ربحه. لست أدري لماذا يكون هذا الالتزام من الإسلاميين ما استطاعوا ودون اكراه لأحد مثلبة فيهم، يظلون يتخفون من الاخرين وكأنهم أخطئوا في حق أحد؟ ثم أليس للإسلام فضلا كبيرا على أمتنا. لم تدخل التاريخ ولم تتحرر من استعمار الا به. محاسنه كثيره على المستويين الفردي والجماعي بل ان البشرية اليوم في أشد الحاجة لتعاليمه. نكر في النهاية أن الشفافية التامة في العلاقات الخارجية وفي المال هي أساس نجاح الديمقراطية. مراقبة الأحزاب من طرف الدولة وقدرة القضاء على منع الخارجين عليه بالعمل السياسي هو أيضا من علامات سيادة الدولة. ذلك أن الدولة الغير سيدة التي تنخرها اللوبيات المالية وغيرها لا تصلح محضنا للممارسة الديمقراطية، تصبح الأحزاب غير الأحزاب والجمعيات غير الجمعيات، لا يبقى فيها معنى لكل تلك الصفات من وطنية وإسلامية وغيرها مما يتنافس عليها الفاعلون. الحزب الذي لا يمارس الحكامة الراشدة داخله ليس وطنيا والا إسلاميا، لأنه وهو يسعى الى حكم البلاد لا يمكن أن يعطيها ما هو فاقد له أصلا. الأحزاب نوعان: ديمقراطي رشيد في ممارساته الداخلية، مشركا للجميع ومثمنا لطاقاته البشرية يمدها للبلاد تخدمها ويتنافس في ذلك مع نظرائه، وحزب فردي مغلق عجز القائمون عليه أن يسبروا الإيجابي في العضو ويتسامحوا عن السلبي فيه. يظل القائمون على الحزب بزبرون زبرا كل التنوع والتحرر داخله حتى يأتون على كل جميل فيه ولا يبقون الا على جذع الخشب اليابس. مثل هذا الحزب يدعمه الخارج لأنه سهل المراس طيع مجتث، يقبل التنازل في الغرف المغلقة وقد يسمي ذلك حنكة وقدرة وعبقرية. وقد تساعده القوة الخارجية التي تخاف الشعوب وتكره التعامل معها، بل تحكمها بممثلين طيعين طامعين كما دأبت عليه من زمن الاستعمار المباشر. عالمنا العرب تحكمه الاستعمار الغير مباشر. أما الجديد فهو أن الدكتاتور لم يعد وحده ممثلا عن الاستعمار وخادم لمصاحه، بل دخل عليه منافس جديد هو الأحزاب. وجديد الجديد أن الإسلاميين لم يعودا في مأمن من قبول هكذا مهام. أليس من الخطأ والمغالطة أن نسمي “اسلاميا” هكذا حزب. لا صفة إسلامية دون حوكمة رشيدة وديمقراطية حقيقية ورقابة قاعدية على ادارة الحزب وقضائية على ماله وعلاقاته الخارجية. النهضة “الإسلامية” التي حلمت بها وناضلت فيها ومن أجلها هي: حزب تونسي، يحب السلطة ويسعى اليها، ليس رغبة فيها بل لأن له مسئولية ورسالة أن يحقق لتونس شيئين، تفتح على العالم وسعي لضمان موقع فيه دون نسيان هوية لا معنى لأي نجاح دونها. كل ذلك ضمن عمل بشري يقيم صحته وفضله أصحاب الشأن دون غيرهم وهم شعب تونس. لا اكراه. تحرير التونسي من الاكراهات كلها من جهل وفقر ومرض وحاجة، تطوير طاقاته كلها ضمن سلم يجعل العقل أعلاها. عقل سليم، يعرف، يخمن، يفكر لكن في جسم سليم لا قيود عليه. مشروعي لتونس هو انسان مخير كما خلقه الله، يقرر بحرية وبدون قيود، اللهم تلك التي شارك في صنعها وحمايتها والتزم بها ضمن عقد اجتماعي وقواعد عامة للعيش المشترك. قواعد بضوابط الشرع الاسلامي أعمل بالوسائل المشروعة أن أجعل أغلبية من شعب تونس تتبناها والشعب كله، من قبلها ومن عارضها ينادي باحترامها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق