تحاليلتونس

تونس: المعنيون بالإجراء الحدودي، مشبته بهم حتى إشعار آخر…

نسرين الرمضاني:

   الإجراء الحدودي مرتبط بالسفر حيث يتم اللجوء إليه عند الحدود فقط، وفي حالات الدخول إلى تونس أو الخروج منها. ولكن قد تتطور المسألة ليصبح الأشخاص الذين صدر في حقهم إجراء حدودي ممنوعين حتى من التنقل بين الولايات بسبب التحريات الروتينية والمتواصلة.

عندما اتصلنا به للاستفسار حول حكاية الإجراء الحدودي أول جملة نطق بها أسامة في لهجة تهكم: “أنا حكايتي حكاية” كان يقيم في ليبيا مع زوجته وأبنائه الثلاثة، في شهر سبتمبر الماضي عاد لقضاء 15 يوما مع العائلة بمناسبة عيد الإضحى، ليتم منعه من العودة إلى ليبيا. عديد العرائض قدمها أسامة إلى وزارة الداخلية لإلغاء الإجراء الحدودي في حقه ولكن دون تلقي أي رد إلى الآن. الإشكال يكمن حسب أسامة في ارتباطاته المهنية في ليبيا فهو مسؤول مالي في إحدى الشركات هناك كما أن السيارة التي عاد بها إلى تونس على ملك الشركة التي يعمل بها، إضافة إلى الإزعاج الذي تعرض له أثناء التحري عند منعه من السفر حيث بقي قيد البحث والتحري لمدة 3 أيام رفقة عائلته: “السبب أنني ملتحي وأسكن في ليبيا منذ فترة بإعتبار أن ليبيا مصنفة كإحدى بؤر التوتر فهذه أسباب كافية لإصدار إجراء حدودي في حقي أنا وزوجتي…”

بعد منعه من السفر يعيش أسامة وضعية صعبة فهو لم يستطع الالتزام بارتباطاته المهنية التي توقفت هذه الآونة إضافة إلى إقامته وعائلته في بيت والده.

ولوصف عمق الإشكال ومدى انتشار ظاهرة الأشخاص المعنيين بالإجراء الحدودي قال أسامة: “هناك آلاف التونسيين الذي صدر في حقهم هذا الإجراء … مؤخرا أخبرني أحد أصدقائي أن إجراء حدوديا صدر في حقه منذ شهر…”

أعداد هائلة من التونسيين معنية بالإجراءات الحدودية:

مروان جدّة المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات قال أنه على الأقل هناك حوالي 100 ألف تونسي صدر في حقهم إجراء حدودي وتم تقدير هذا العدد بناء على تصريحات وزارة الداخلية حول الممنوعين من السفر وأيضا حسب الحالات التي سجلها المرصد. فالأشخاص الذين تمتعوا بالعفو التشريعي العام صدر في حقهم إجراء حدودي بصفة آلية. والأشخاص الذين تم إيقافهم في السابق على خلفية قضايا إرهابية هم أغلبية المعنيين بالإجراء الحدودي وبدرجة أقل الأشخاص الذين تورطوا في قضايا من نوع آخر.

ولكن الملفت للنظر حسب مروان جدّة هو صدور الإجراء الحدودي في حق أشخاص فقط لأن لهم بطاقة إرشادات في عهد بن علي. “يبدو أن السلطات الأمنية عادت إلى الملفات القديمة التي بحوزتها.”

حسب مرصد الحقوق والحريات الأشخاص المعنيين بالإجراء الحدودي هم الأشخاص الذين نشطوا بعد الثورة في أي مجال كان سياسي أو جمعياتي وخاصة الجمعيات الإسلامية والخيرية والدعوية.
محمد تونسي آخر معني بالإجراء الحدودي الذي صدر في حقه فور عودته من تركيا، والسبب أنه سافر إلى تركيا عبر ليبيا، تفصيل كافي ليجعل السلطات الأمنية تشتبه في محاولته السفر إلى سوريا فتلقي القبض عليه بتهمة “نية السفر” ولكن محمد  استظهر لدى القضاء بختم الدخول والخروج من اليونان حيث حاول الهجرة غير  الشرعية من هناك طمعا في الحصو على اللجوء الإنساني كحال السوريين هناك ودافعه في ذلك محاولة تحسين وضعه الإقتصادي والإجتماعي بعد سنوات بطالة  في تونس تلت تخرجه من الجامعة. “استوقفتني دورية أمنية لتصطحبني بعد ذلك إلى مركز الأمن ليقوموا بالتحريات اللازمة وتحرير بطاقة إرشادات في شأني كل

 ذلك وأنا مكبّل اليدين بالقيود…” بعد ذلك لم يتمكن محمد من الحصول على بطاقة عدد 3 وفي محاولة منه لتفسير الأمر: “أغلبية التونسيين لديهم الإجراء الحدودي S17 في حقهم وهو يعني أن المعني بالأمر مصنف خطير وأنا منهم ولكني أيضا تحصلت على S19 وهي تعني أن المعني بها خطير جدّا..” يضيف ساخرا: “أنا أخطر من بن لادن.”

يقول المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات أن الأساس أصبح إصدار الإجراء الحدودي ومن ثم بدأ التحريات. في حاب صدور هذا الإجراء لا تمنح للشخص المعني بها أي وثيقة تثبت ذلك كي يتمكن من التمتع بحقه في التقاضي ” هذا هو السبب الحقيقي لعدم مد وثيقة رسمية بخصوص الإجراء الحدودي لكي يسقط حق التقاضي على المعني بالأمر…” حسب مروان جدّة.

ويضيف محدثنا مؤكدا ضبابية الأمر بشأن الإجراء الحدودي لدى عامة الناس وهو السبب الذي دفع مرصد الحقوق والحريات إلى التفكير في الإعداد لإطلاق حملة خاصة ضد هذا الإجراء.

أصناف عديدة للإجراء الحدودي:

من جهتنا، اتصلنا بوزارة الداخلية لطلب التوضيحات اللازمة بخصوص الإجراء الحدودي: مفهومه والإطار القانوني وإذا ما توفرت احصائيات حول عدد من المعنيين به. ولكن إجابة وزارة الداخلية كانت مقتضبة حيث أكد لنا رئيس دائرة الإعلام والإتصال أن هذه المسألة أمنية بامتياز ولا يمكن الخوض فيها بأي شكل من الأشكال، مضيفا أنه من المستحيل أن يعرف شخص ما أي نوع من الإجراء الحدودي قد صدر في حقه وذلك لمدى الحساسية التي تتميز بها الأمور الأمنية.

وأمام عدم تمكننا من الحصول، من وزارة الداخلية، على المعطيات التي بإمكانها توضيح الأمر لنا، اتصلنا في مرحلة لاحقة بشكري حمادة الناطق الرسمي بإسم إتحاد النقابات الأمنية الذي أكد لنا أن تطبيق الإجراء الحدودي في حق شخص ما يكون عند الحدود فقط أما خلافا لذلك فإن الأمر لا يتعدّى إجراء روتيني هدفه التحري فقط.

وقال شكري حمادة أن الإجراء الحدودي يُصدره القضاء لا السلطات الأمنية، ولا يُشترط أن يكون المعني بالأمر قد تم إيقافه سابقا بل يصدر الإجراء الحدودي في حقه إذا ما توفرت معطيات ما بشأنه تفيد بشبهة تورطه في قضايا إرهاب أو محاولة السفر إلى بؤر التوتر أو إمكانية وجود علاقة بينه وبين مورطين في الإرهاب، كما يمكن أن يصدر الإجراء الحدودي في حق شخص مورط في قضايا مالية أو غيرها من القضايا التي يمكن أن يبقى فيها في حالة سراح.

وأكد الناطق الرسمي بإسم إتحاد النقابات الأمنية أن الإجراء الحدودي هو إجراء وقائي بالأساس، مبينا أن هناك أصناف عديدة للإجراء الحدودي تضبط حسب طبيعة الأفعال التي اقترفها الشخص أو تورط فيها وكذلك حسب مدى خطورة هذا الشخص، والـ S17  ليست سوى إحى أصناف الإجراء الحدودي.

الوشايات والتحريات سبب لإصدار الإجراء الحدودي:

أمين (اسم مستعار) السنة الفارطة كانت سنته النهائية في دراسة الهندسة الصناعية في سوسة، كان متجها إلى سوسة من القيروان مسقط رأسه للحصول على بعض المراجع الدراسية عندما استوقفته دورية أمنية لتعلمه أن لديه إجراء حدودي صادر في حقه فتم إنزاله من سيارة الأجرة وتم وضع القيود في يديه ونقلته دورية أخرى إلى منطقة الأمن ليبقى تحت البحث لمدة 4 ساعات.

أمين الذي درس في المعهد النموذجي والذي كان ينجح من الأوائل وسيرته طيبة في جامعته وفي حارته سعى بكل الطرق إلى رفع هذا الإجراء عنه فتحصل على رسالة من مدير كليته تثبت انضباطه وحضوره وعدم تغيبه عن دروسه واستعان بهذه الوثيقة في رفع عريضة إلى وزارة الداخلية وينتظر منذ أشهر ردّا من الوزارة أو إلغاء هذا الإجراء.

كما استخرج بطاقة عدد 3 ليتبين أنها لا تحتوي على أي سوابق عدلية.

يقول أمين: “كان هناك فرص تكوين بالخارج وفرتها الشركة التي أعمل بها ولكني محروم منها بسبب الإجراء الحدودي…”

تخوفه الأكبر اليوم يكمن في إمكانية رفض السلطات مدّه بجواز سفر. وأضاف أمين: “ليس معقولا كل عذا الإزعاج الناجم عن الإجراءات الروتينية وهذا الظلم لمجرد وشاية من شخص ما أو معطيات متوفرة لدى الدوريات الأمنية.”

عامر طالب آخر اكتشف بالصدفة أن له إجراء حدوديا صادرا في حقه، ذات مراقبه وثائق لدورية استوقفت سيارة الأجرة التي كان يستقلها متجها إلى منزل بوزلفة مع عائلته لقضاء أمر عائلي. عامر الذي لم يتعرض يوما إلى إيقاف أمني ولم ترفع ضده أي قضية، منذ اكتشاف حصوله على الإجراء الحدودي كان في عطلة الربيع الماضي تتكر معه مسالة البحث والتحري من قبل الدوريات الأمنية كلما استوقفته، متجها إلى باجة أين يزاول تعليمه الجامعي، لتستشير منطقة الأمن التي يتبع لها بحي التضامن التي تخبرهم أن لا شئ مريب مسجل في شأنه. يقول عامر: “أعتقد أن السبب في إصدار إجراء حدودي في حقي هو غيابي عن مقر سكناي بحي التضامن لمدة أسبوع الصائفة الفارطة لأنني ذهبت لأسوي مسألة تأجير منزل استعدادا للعودة الجامعية.” وقد ينضاف إلى ذلك التزام الشاب الجامعي، كلها أمور وتفسيرات قادت إليها أسئلة الأمنيين الذين يبحثون عامر في كل مرة حيث يسألونه عن صلاته وعن أصدقائه وعائلته وغيرها من الأسئلة الروتينية التي تعود بها عامر.

هي شهادات من بين أخرى لم تتسنى الفرصة لذكرها كلها، تلتقي أغلبها في عدم وجود قضايا مرفوعة أو عدم إيقاف المعنيين بالأمر على خلفية شبهات تتعلق بقضايا ما ولكن رغم ذلك هناك إجراءات حدودية متفاوتة الدرجات صدرت في شأنهم لم يتمكنوا من رفعها بعد، في الأثناء عي تنغص عليهم ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.

المصدر: مرصد الحقوق والحريات بتونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق