
وليد التليلي:
ولئن استطاع السبسي، بحنكته المعروفة، أن يفرض على الأحزاب والشخصيات التونسية، والمواطنين، جدول أعمال لم يستشر فيه أحداً، كما أكد بنفسه، فإنه وضع نفسه والبلاد في مأزق حقيقي، يتطلب تجاوزه وقتاً طويلاً وتوافقاً واسعاً من أجل التمكّن من تشكيل هذه الحكومة الجديدة، التي يعرف السبسي أنها لن تكون حكومة وحدة وطنية بكل ما للكلمة من معنى. ويدرك السبسي، عندما أعلن عن مبادرته، أن أحزاب المعارضة لن تشارك في هذه الحكومة، وخصوصاً الأحزاب اليسارية التي تشكل قوة أساسية في المعارضة والتي لن تقبل بمشاركة حزب “حركة النهضة” في أي حكومة، إلا إذا قرّر السبسي إعادة خلط الأوراق جذرياً، وإبعاد “النهضة” من الائتلاف الحكومي، وترتيب المشهد السياسي التونسي من جديد، بعد تعاظم دور “النهضة” تدريجياً في الأشهر الاخيرة، وتزايد حجمها الكبير الذي عاينه بنفسه في افتتاح مؤتمرها الأخير.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبقى مستبعداً، وغير منطقي، إلا أنه يبقى ممكناً سياسياً. بمعنى آخر، يبقى الحديث عن دخول أحزاب من المعارضة إلى الحكومة مسألة صعبة للغاية، إلا إذا استطاع السبسي أن يقنع بعض الأطراف المعتدلة بذلك، وشق صفوفها بالتالي. ولكن السبسي يضع شرطاً صعباً لتشكيل حكومته الجديدة، ويتمثل بدخول منظمتي “رجال الأعمال” والنقابيين إلى الحكومة. وإذا كان دخول المنظمة الأولى ممكناً ومتاحاً، إلا أن “اتحاد الشغل” يرفض المشاركة مباشرةً في الحكومة.
ولكن السبسي يصرّ على هذا الأمر، وتؤكد مصادر مطلعة لـ “العربي الجديد” أنه قد يتم إقناع النقابيين بدخول بعضهم إلى الحكومة، لا سيما أولئك الذين لا يضطلعون بأي مسؤولية قيادية في النقابات حالياً. وربما يتمكن السبسي من إقناع المنظمة النقابية بأن تكون على تماس مع الحكومة الجديدة، من دون التورط فيها مباشرة، عبر تعيين وزراء ترضى عنهم أو يمثلونها، وإبعاد وزراء آخرين من الذين دخلوا في صراع مع منظمة الشغيلة في الأشهر الماضية، ما تسبب في حالة من الاضطرابات، يريد السبسي أن يضع حداً لها. وتقول المصادر نفسها لـ “العربي الجديد” إنه من المتوقع جداً عودة وزير الشؤون الاجتماعية السابق، عمار اليونباعي، إلى منصبه، وهو الذي أدار الحوارات الاجتماعية الساخنة جداً بين النقابة وبعض الوزارات. وتشير أيضا إلى أن الحكومة الجديدة قد تشهد دخول، عبيد البريكي، أحد النقابيين المعروفين، وهو من الوجوه النقابية واليسارية المعروفة، ومن أهم قيادات حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، أحد مكونات “الجبهة الشعبية“.
ويبدو أن السبسي بصدد البحث عن شخصية ذات مواصفات اقتصادية، لم تكن متوفرة في الصيد. ويتم حالياً تداول عدد من الأسماء، تتوفر فيها هذه الشروط، من بينها مستشاره الحالي، رضا شلغوم، ومحافظ البنك المركزي الأسبق مصطفى كمال النابلي، ووزير التخطيط قبل الثورة، النوري الجويني، الذي تحمل المسؤولية كتكنوقراط ولم تعرف له انتماءات سياسية، إضافة إلى عدد من الأسماء الأخرى. وتؤكد مصادر لـ”العربي الجديد” أن الجويني له حظوظ كبيرة لتولي منصب رئاسة الحكومة، لكن يبدو أنه رفض العودة إلى الحياة السياسية، ويجري التشاور معه بهدف إقناعه بإدارة الحكومة الجديدة، علماً أنه ليس من السهل أن يوافق على ذلك.
ويتم أيضاً تداول اسم مؤسس الحزب الجمهوري، لكن المستقيل منه، أحمد نجيب الشابي، الذي يعتبر أن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية هي محل إجماع جميع الأطراف السياسية. ويؤكد الشابي “أنه لن يرفض تولي منصب رئيس الحكومة في صورة ترشيحه، لأنه واجب وطني”. ويبدو اسم الشابي، في ظروف أخرى، أمراً معقولاً ومنطقياً، بالنظر إلى شخصية الرجل وتاريخيه النضالي الطويل ونظافة كفّه وشخصيته القوية، لكن تعيينه في هذا الوقت يعتبر أمراً صعباً جداً وغير ممكن، بسبب شخصيته المستقلة، وإمكانية خروجه عن طاعة الرئيس، ما قد يقود بحسب تصريح أحد المسؤولين الحزبيين من “نداء تونس” إلى إمكانية “هروبه بالحكومة”.
في المحصلة، من المؤكد أن السبسي يحتفظ باسم رئيس حكومته الجديد وسيعلن عنه سريعاً، لأنه يدرك أن التأخير غير مجدٍ، ولا يريد أن يطيل من فترة الفراغ التي تلي إعلان أي تغيير في الحكومة، خصوصاً في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها تونس.