
شكري بن عيسى (*):
الطريقة التي تحدث بها يوم الجمعة وزير الشؤون الاجتماعية٬ في حوار على اعمدة جريدة “المغرب”٬ حول عجز الصناديق الاجتماعية وطرق الحل وموقف الحكومة من الامر وموقفه من سلفه الينباعي وما عقده من تفاهمات وعلاقته بالاتحاد العام التونسي للشغل٬ فعلا تثير الانشغال العميق ان لم يكن الخوف الحقيقي حول حال هذه الصناديق والحق في التقاعد للاجيال الحالية والاجيال القادمة٬ ولكن الاخطر حول كيفية وقدرة ادارة الحكومة لهذا الملف الحارق ولادارتها للحكم بصفة عامة٬ وحول السلم الاجتماعي الذي يبدو انه صار مهددا بصفة كبيرة بعد ردة الفعل الحادة من العباسي في التجمع الاحتجاجي الذي اقامه اتحاد الشغل هذا صباح يوم السبت ببطحاء محمد علي٬ في نطاق سلسلة التحركات التي انطلقت فيها المنظمة الشغيلة منذ اسابيع.
الامر يسير بشكل دراماتيكي على ما يظهر في ظل انقطاع التواصل بين الاطراف المعنية٬ وفي ظل التصعيد المتبادل بين الوزير واتحاد الشغالين٬ وصمت رئاسة الحكومة الغريب٬ خاصة واننا في ظل تناقض عميق بين الوزير السابق للشؤون الاجتماعية وخلفه الحالي الذي شكك بشدة في مقاربة الينباعي مشيرا الى ان اتفاقه مع اتحاد الشغل في نوفمبر ٬2015 وامضاء المحضر كان “دون علم ودون موافقة رئيس الحكومة” الامر الذي “جعله يقيل وزير الشؤون الاجتماعية السابق”٬ الاتفاق يقضي بان يكون الاختيار في التمديد في سن التقاعد قبل سنتين وليس خمس سنوات كما في مشروع القانون وان لا يتم التمديد “اليا” في صورة عدم طلب التمديد وان يكون التمديد بين سنتين وخمس سنوات وعدم الاقتصار على خيار واحد (5 سنوات) ..
الرد السبت جاء قويا من امين عام الاتحاد في التجمع العمالي٬ الذي اعتبر فيه الوزير بن رمضان “تنّكر للاتفاق ” الممضى مع سلفه و”تنّصل من الاتفاقيات” الممضاة بين و زارته والمنظمة الشغلية٬ مؤكدا ان “الملفات لا يتم الحسم فيها الا بالحوار مع الاطراف الاجتماعية الثلاثة”٬ معتبرا ان الوزير بصدد “خلق فتنة” بتصريحاته٬ ملوّحا في النهاية بأن الاتحاد “يحترم التزاماته” وهو “قوة خير واقتراح” وسيتمسك بالاتفاق الممضى ملو ّحا بأن منظمة حشاد هي كذلك “قوة نضال للدفاع عن حقوق العمال” في اشارة للتحركات الاحتجاجية التي انطلقت وستتواصل في صورة انسداد الأبواب وعدم التوصل الى حل يبدو معقّدا جدا بالنظر للوضعية الحالية للأمور.
والحقيقة ان الوزير المعني وصل الى حدود التشكيك في الارقام السابقة التي قدمتها وزارته وشكك حتى في جدوى الحل الاقصى بالتمديد الاجباري لكل الموظفين بخمس سنوات وقدم رقم 700 مليون دينار كعجز للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية خلال الخماسية القادمة 2016-2020 تضاف الى العجز الحالي المقدر بمليار دينار تقريبا (هذا الرقم لا يعتبره الاتحاد عجزا اذ هو دين غير مستخلص على صندوق التأمين على المرض “الكنام” مع الاشارة الى ان مدير عام الشؤون الاجتماعية ضبط العجز بـ 741 مليون دينار مخالفا بذلك وزيره)٬ ولا ندري الحقيقة ان كان واعيا بخطورة تصريحاته بالتشكيك في سلفه وبارقام و زارته وبما روّجه حول سلفه بانه تجاوز رئيس الحكومة وانه مخالف لتوجه الحكومة وقدم لوحة متكاملة غاية في السوداوية ّ حول واقع الحكومة الحالي في ادارة الملفات وما يطغى عليها من ارتجال وفوضى وتناقضات عميقة تزداد للتنازعات والتهديدات والتشكيكات المتزايدة من داخل الائتلاف الحكومي.
والامر يزداد خطورة في علاقة بالسلم الاجتماعي الذي صار مهددا بطريقة عميقة اذ الهشاشة الاجتماعية الحالية اذا ما توترت العلاقة بين الحكومة والاتحاد ودخل الشك في نفوس الموظفين حول حقوقهم في التقاعد ومستقبلهم في علاقة بالدولة فالامور ستسير الى انهيار لا احد يتوقع مداه وتداعياته على الجميع٬ والاتحاد في بيان 31 مارس المنقضي اعتبر “تمرير مشروع القانون احادي الجانب اعلان حرب”٬ والمسؤولية بالمؤكد ملقاة على الدولة التي لم تحترم “مصداقية التفاوض” ولم تحترم تعهدات وزارة مسؤولة وداست على مبدأ “استمراريةالدولة” كما اكد العباسي الذي حمّل في تجمّع السبت الوزير الحالي “المسؤولية على الامن الاجتماعي” الذي اعتبر أنه لا يقل على الامن القومي.
وفي كل الحالات في نهاية المطاف فتوازن وديمومة الصناديق الاجتماعية هي مسؤولية الدولة بدرجة اساسية وهي المسؤولية عن العجز العميق وحالة الافلاس المنتظرة اذا ما تركت الامور الى تبادل الاتهامات والقاء المسؤلية على الاخر٬ الوزير بن رمضان زاد الطين بلة بالحديث عن “كلفة منوال التنمية الجديد” ولم يقدم حلولا خارج تراجع عن الحقوق المكتسبة للموظفين وبعيدا عن ادانة ما اسماه “سخاء المنح” الحالية للموظفين التي تصل حسب ما قدمه الى 105 %من الاجر الصافي للموظف قبل التقاعد في بعض الحالات٬ وداس بذلك مبادىء التساوي في الحقوق بين الاجيال واثبت عجز و زارته عن استنباط حلول لا تحدث شرخا اجتماعيا. برنامج البرنامج Instant Free Download. ProductivityBoss – Get Started! صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية لم يسترجع ديونه المحملة على الدولة٬ ومثّل لعشرات السنوات مجالا لسوء التصرف والفساد وسوء حوكمة وسوء استثمار وتوظيف الفائض الكبير لما كان عن كل متقاعد يساهم قرابة ثمانية ناشطين قبل ان يصل اليوم الامر الى قرابة ثلاث فقط٬ وهو ما اوصلنا الى الوضعية الحالية٬ اذ التغيير في الخصوصيات الديمغرافية للشعب (ارتفاع نسبة التهرم وهي من بين السلبيات الكبرى لتحديد النسل) تكون تداعياته سلبية في صورة عدم تحصيل ومراكمة فوائد في وقت الفوائض وفي صورة حصول هدر لموارد الصندوق٬ واليوم الامور تطرح دون تدقيق في الاخلالات الفادحة التي صبغت الصندوق طيلة عشرات السنوات ودون تحميل للمسؤوليات واسترجاع الاموال المنهوبة ودون تحديد من يتحمل مسؤولية عدم التخطيط اللازم لما ستصل اليه الامور من عجز مستقبلي.
الدعوة الى رفع سن التقاعد بررها البعض بارتفاع مؤمل الحياة للتونسي الى ما يفوق 74 سنة وبالمقارنة مع انظمة تقاعد لدول اخرى٬ والحقيقة ان الامر في غير طريقه اذ لا يمكن مقارنة تونس بسويسرا او هولاندا او بلجيكا او المانيا التي يفوق فيها مؤمل الحياة 80 سنة (اي ما يفوق ست سنوات عن تونس)٬ وزيادة فالوضعية الصحية في سن 60 سنة تختلف اختلافا عميقا٬ نظرا لاختلاف المرفق الصحي بين بلدنا وهذه البلدان٬ والموظف التونسي وخاصة في التعليم الابتدائي والثانوي وعديد النشاطات الاخرى يصبح في وضعية هبوط حاد في الاداء وتهلهل في المردودية في سن الستين وحتى قبلها بكثير بسبب انخفاض القدرة البدنية والنفسية واللياقة الذهنية٬ ووجوده يصبح مضرا بالادارة٬ واهدار لأجور من المال العام دون فائدة سيكون توظيفها للتشغيل احد المطالب الوطنية اولى واجدى لتجديد الادارة وفتح افق التدرج والترقية التي يمكن ان تقضي عليها استمرار الاطارات العليا بعد سن الستين ما سيفرز تسمما في المناخ الاجتماعي بعديد الادا رات٬ خاصة وان عدد الوظائف محدود بموجب انظمة الوزارات. لا ندري اليوم لفائدة من يتم ارباك الموظفين بامور لا يتحملون مسؤليتها وما سينجر عنه من اثار سلبية على حالتهم النفسية وبالتالي مردوديتهم في العمل وعلى الاستقرار الاجتماعي والسلم المدني وما سينتجه من تشكيك في قدرة الدولة على ادارة شؤون البلد٬ وعلى ما بشرونا به من “هيبة الدولة” صارت مداسة من “داخل الدولة”٬ وما سينتجه من انهيار داخل مؤسساتها٬ ولماذا يقع القاء العبء على المواطن الذي يرزح تحت ضغوط رهيبة اليوم نفسية ومادية متعددة٬ وقد دفع مساهماته بصفة منتظمة٬ في الوقت الذي يسجل فيه الوطن تزايد نسب التهرب والغش الجبائي والتهريب٬ وارتفاع بالتتابع لنسبة الملياردارات والمليونارات وتصاعد لمظاهر الثراء الفاحش الذي ينتجه مجتمع الاستهلاك٬ واذا لم يتحمل رجال الاعمال جزءا من كلفة السلم الاجتماعي بدفع ضرائبهم وعبر دفع ضرائب خصوصية في الصدد فالانهيار ان حصل لن يسلم منه احد.
المصدر : “Babnet Tunisie “
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)- قانوني وناشط حقوقي