تونسدراسات

تعددت تنظيماتهم وفشلوا في بناء ائتلاف سياسي :القوميون والدور الغائب

علي عبد اللطيف اللافي:

 

        رغم التضحيات الجسام التي قدمها القوميون في تونس من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية طوال عقدي الستينات والسبعينات، فإنهم وإن شكلوا تنظيمات سياسية متعددة، فإنهم لم يستطيعوا أن يتوحّدوا تحت نفس اللافتة السياسية، أو يكونوا كتلة برلمانية في المجلس التأسيسي أو في البرلمان الحالي، أو يكونوا ائتلافا سياسيا قويا يستطيع أن يفرض نفسه في الساحة السياسية… 

فما هي أسباب عدم قدرة التيار القومي على التوحد بين فصائله المتعددة على الحد الأدنى الذي يخول له التموقع والتمايز، بل إن السؤال المطروح اليوم في ظل المعارك والتطورات السياسية الراهنة، هل تخلى القوميون عن قضاياهم الحقيقية التي تفرضها المرحلة الراهنة وطنيا وإقليميا ودوليا، ووقعوا سجناء للمعارك والتموقعات الهامشية؟

 

+ راهن وواقع التيار القومي في تونس اليوم؟

 

أثبتت الخمس السنوات الماضية أن القوى القومية العربية في تونس بمختلف توجهاتها ما زالت مُرتبكة في قراءة الوضع الراهن، وبقيت حبيسة قراءات تشخيصية والتجاذب حولها، فقد خاضت نقاشات عديدة من أجل التوحد وبناء قطب وائتلاف سياسي، بل خاضت مجتمعة أو كل منها (الفصائل الناصرية -البعثية -الفصائل القريبة من التيار القومي الديمقراطي)، مُشاورات من أجل بناء حزب سياسي، ولكن دون نتيجة…

وتبين لجميع المتابعين أن ما يُربك القوميين باستمرار هو وضع أنفسهم في وضع تجاذب بين الإسلاميين واليساريين، فلا هم شكلوا قطبا مُستقلّا عن الطرفين، ولا تحالفوا بشكل نهائي مع هذا أو ذاك، ويجمع أغلب المحللين على أن التحدي المطروح على القوميين هو ضرورة التوحيد والتمايز البناء بين مختلف المكونات والتموقع بين اليسار والإسلاميين بحيث لا يقع توظيفهم من هذا الطرف أو ذاك، أو على الأقل قيادة الجبهة الديمقراطية الاجتماعية…

كما أنّ طبيعة التطوّرات الإقليمية أثرت وستؤثر على واقع وتطور التيار القومي خلال المرحلة الراهنة أو المقبلة، خاصة ما يحدث في مصر وليبيا واليمن، وخاصة تطورات الأحداث في سوريا في هذا الاتجاه أو ذاك …

 

أ‌-       الفصائل القومية المنتمية للجبهة الشعبية:

 

1-      حركة البعث : وهي تنظيم بعثي موال للشق العراقي، تأسس في الثمانيات، وهو تواصل لتنظيم الطليعة العربية الذي أسساه المرحوم الصادق الهيشري، ويقودها حاليا خليفة الفتايتي.

 

2-      حزب الطليعة : وهو تنظيم صغير يقُوده حاليا الأستاذ أحمد صديق، وهو حزب تأسس بعد الثورة، ومن أهم قياداته المناضل البعثي خير الدين الصوابني….

 

3-      التيار الشعبي : وهو حزب صغير، وتماثل مع التيار الشعبي في مصر، وهو تنظيم مُنشق عن حركة الشعب قبل شهر من اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي (بيان 30 جوان 2013)، على خلفية العلاقة بالجبهة الشعبية والموقف من نداء تونس وتشكيل جبهة الإنقاذ سنة 2013، ويقوده حاليا زهير حمدي…

 

ب‌-     الفصائل المغادرة للجبهة الشعبية:

 

1-      حركة الشعب: حزب سياسي ناصري، وهو عمليا تواصل لتنظيم الطلبة العرب التقدميين الوحدويين (المؤسس في منتصف سبعينات القرن الماضي)، يقودها زهير المغزاوي، وحركة الشعب هي أهم فصائل الجبهة الديمقراطية الاجتماعية، وهي حركة سياسية موجودة في كل ولايات الجمهورية،  ولها وجود في أغلب المنظمات الوطنية…

 

2-      حزب الغد: وهو حزب منشق عن حركة الشعب بناء على خلافات تنظيمية، ويقوده عمر الشاهد، وهو أكثر الأحزاب القومية في تونس المدافعة عن النظام السوري، ويتهم بأنه أصبح أيضا مقربا من إيران…

 

3-      الجبهة الشعبية الوحدوية: وهو حزب متجذر فكريا وسياسيا، ويعبر عن رؤى التيار القومي الديمقراطي في تونس، يقوده الأستاذ عمر الماجري، والتنظيم تواصل لتجربة ما عُرف بالتنظيم السري في الثمانينات، وقد غادر الجبهة الشعبية في صائفة 2013 بعد أن اعتبر أنها تحولت إلى حديقة خلفية لليمين الليبرالي…

 

ت‌-     فصائل وتنظمات قومية أخرى:

 

1-      حركة النضال الوطني: وهي حزب سياسي، من أهم قياداته الأستاذ أحمد الكحلاوي، وهي عمليا تواصل لتنظيم الشعلة في شقه الرئيسي، وهي تناصر النظامين السوري والإيراني، وهي تقرأ التطورات بناء على مقولة الفرز بين القوى الوطنية والقوى غير الوطنية…

 

2-      حركة المرابطون: وهي تنظيم ناصري صغير، يقوده الأستاذ البشير الصيد، ويركز على قراءة تطورات الملف الليبي وإرث العقيد الليبي السابق، ويرى أن الرئيس المصري يمثل امتداد للناصرية…

 

3-      حزب ثوابت: وهو تنظيم مُوال فكريا وسياسيا للنظام السوري، وهو حزب وريث لحزب عروبة وتنمية المؤسس بعد الثورة، ويقود الحزب الدكتور شكري الهرماسي…

 

4-      حركة الوحدويون الأحرار: وهو تنظيم قومي يقوده عبد الكريم الغابري بعد وفاة مؤسسه البجاوي…

 

+ الطلبة القوميون: التعدد والتفاعل والتشتت في ظل واقع تطورات الوضع العربي:

          وجود القوميين في الجامعة التونسية تعددت أشكاله وصيغه التنظيمية منذ منتصف الستينات؛ نتاج خلافات الأنظمة القومية، ونتاج طبيعة المقولات الفكرية والسياسية، ونتاج عوامل تاريخية متعددة، ولكنهم اليوم رقم مهم سياسيا في الساحة الجامعية رغم عجز الأحزاب القومية العربية عن تأسيس حزب مُوحّد، بل والعجز عن تأسيس جبهة سياسية وقطب سياسي، وبقي القوميون في تونس موقع تجاذب بين الإسلاميين واليساريين، وهو ما أفقدهم في الساحة الجامعية حضورهم عند الطلاب الجدد، وبالتالي ضعف وجودهم التنظيمي والشعبي، وقلص من تأثيرهم الفكري والثقافي، ومن أهم فصائلهم الطلابية: الطلبة العرب التقدميون الوحدويون – الطليعة الطلابية العربية – رابطات العمل الجماهيري – طلبة اللجان الثورة بالجامعة التونسية، ثم أصبح أغلبهم ينشط منذ سنة 2000 تحت لافتة الطلبة القوميون….

 

+ لماذا غياب خيار الأرضية الموحدة؟

 

كما بينا أعلاه، اختارت بعض الأحزاب والتنظيمات القومية خلال المحطات الانتخابية السابقة  الالتقاء السياسي على أرضية موحدة مع بقية مكونات الجبهة الشعبية، والتقارب الإيديولوجي أو ما يسميه التيار الشعبي بـــــ”الوحدة المزيفة”؛ إذ يؤكد في أغلب بياناته وفي تصريحات قياداته “أن الرؤية السياسية الواضحة هي المحدد الأساسي للوحدة والتحالف لا المرجعيات الإيديولوجية”  بل إن الأمين العام زهير حمدي يؤكد أن “التيار الشعبي يرى أن مكانه الطبيعي ضمن  القوى والمكونات السياسية التي ناضل معها منذ الستينات وخبرها جيدا ويجمعهم مشروع موحد”، وهو حسب حمدي، “مشروع وطني أساسه الحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعي واستقلال القرار الوطني ومناصرة قضايا التحرر العربي والعالمي، بل يختزل المشروع الوطني الناصري…”

بينما يرى رئيس حزب الطليعة أحمد الصديق أن “هناك عائلة قومية تتشكل من أحزاب وشخصيات ورموز يجمع بينها المنبت الأيديولوجي العروبي، ويفرق بين أعضائها الاختلاف البيّن في قراءة الواقع وترتيب الأولويات وحجم الاستعداد للتضحية، والتعالي على الخلافات البالية …ولم يعد ما يجمع أو يفرق مكونات الساحة السياسية اليوم هو التصنيفات الكلاسيكية للعائلات الفكرية في تونس، بل «الخط السياسي والمشروع السياسي….

ويمكن القول إن الفصائل القومية التي خاضت الانتخابات تحت لافتة الجبهة الشعبية ترى أن الفيصل الذي تبنى عليه التحالفات أو ترسم على أساسه التباينات مركب من السياسات المتداخلة: أولها المسألة الوطنية، فالمسالة الديمقراطية، ثم المسألة الاجتماعية»، بل إن أحمد الصديق يرى أن «العروبي الحقيقي اليوم هو الوطني التونسي الذي لا يساوم ولا يهادن في سيادة بلاده على مصيرها وثرواتها ولا يهادن الظلاميين في التشبث دون أي ارتباك بالدولة المدنية الديمقراطية، والذي لا يساوم في الحقوق الأساسية لكل المواطنين” …

وبالتالي فإن عدم الالتقاء على أرضية واحدة سببه سياسي بالأساس، إضافة إلى القراءة الحرفية للنصوص النظرية للمؤسسين والرموز التاريخية، حتى يمكن القول إن بعض القوميين سلفيين أيضا، مثلهم مثل بعض الماركسيين وبعض الإسلاميين، وهو أمر يجعل مطلب وهدف الأرضية الموحدة بعيد المنال لعوامل عديدة مرتبطة بالقيادات والزعامات والقراءات ….

 

+ صراع على شرعية وتمثيلية الفكر القومي:

 

كل الفصائل والأحزاب القومية  تدعي عمليا تمثيلها للفكر القومي العربي الناصري أو البعثي أو أدبيات حركة القوميين العرب، فحركة الشعب مثلا ترى أنها الممثل الشرعي الوحيد للقوميين الناصريين على اعتبار أن وجوها قومية وطنية عديدة عادت إلى الحركة أو إلى الاقتراب منها (أغلبهم قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي)، في حين يرى حزب التيار الشعبي عكس ذلك تماما، وعمليا خاضت حركة الشعب الانتخابات التشريعية الأخيرة بقوائمها،  وخاض التيار الشعبي الانتخابات ضمن قوائم الجبهة الشعبية، ورفضت حركة المرابطون خوض الانتخابات التشريعية رغم أن البشير الصيد يعتبر نفسه ممثلا شرعيا للناصريين في تونس…، وفي سياق متصل تعتبر حركة البعث أنها التنظيم البعثي الوحيد في تونس (رد عثمان بلحاج عمر على مقال خبري على إحدى اليوميات)…

هذا الصراع والتشتت والتشظي وعدم الالتقاء على الحد الأدنى، يبين أن المرحلة القادمة أيضا لن تُغير من واقعه كثيرا، بل إن القوميين العرب التونسيين لم يستفيدوا من الرهان الانتخابي الأخير في أكتوبر 2014؛ فقد غابت التقييمات وبقي التمسك بالمقولات بشكل حرفي ونصي، إضافة إلى التمسك بالتنظيمات التاريخية رغم انقسامها على نفسها إلى تنظيمات فرعية …

 

+ هل تخلى القوميون عن قضاياهم الحقيقة؟

 

في خضم المعارك السياسية وعدم القدرة على التوحد رغم المبادرات والمحاولات المتعددة منذ مبادرة المرحوم الميداني بن صالح بداية الثمانينات، يمكن الجزم بأن عديد القضايا التي تعود طبيعيا للتيار القومي أولوية الاهتمام بها والدفاع عنها، وهي عديدة، ومن بينها:

1-      الوحدة العربية: يبدو أن التيار القومي في تونس أصبح يضع هذا المطلب ضمن البيانات والأدبيات لا غير، فقد غاب ضمن الخطاب السياسي للتنظيمات القومية منذ بداية الثورة، بل إن البعض منذ تسعينات القرن الماضي يلمح للوحدة الكنفدرالية، وإضافة لذلك أصبح الانتقاد موجها للتيار القومي من طرف المتابعين ومن طرف المنتقدين بأنه تيار عاجز عن وحدة أحزابه وتنظيماته في تونس، فكيف له أن يعمل على وحدة الأمة العربية؟

 

2-      قضايا اللغة العربية وأهميتها: في أكثر من مناسبة وأكثر من محطة لم ترتب التنظيمات والأحزاب القومية أولوياتها للدفاع عن اللغة العربية؛ نتاج أولوية السياسي على الفكري والحضاري، إذ مرت مناسبات تهم اللغة العربية مرور الكرام، كما انتقدت الأحزاب القومية النظام التركي في أكثر من موقف سياسي، وهذا أمر طبيعي، ولكنها لازمت الصمت تجاه خطوات ذلك النظام تجاه اللغة العربية في أكثر من مناسبة، لعل أهمها إعادة اللغة العربية إلى المدارس التركية…

 

3-      قضايا الهوية: حاولت العديد من قوى التبعية والردة المس من هوية الشعب التونسي في أكثر من مناسبة سواء تعلق الأمر بالمسألة الدينية أو اللغة أو البعد القيمي والأخلاقي للشعب، ويمكن القول إن مواقف الأطراف القومية مثلها مثل العديد من الأحزاب التونسية كانت باهتة واعتبرت أن تلك القضايا ليس من أولوياتها أو أن التعامل معها كان مجرد بيانات صامتة أكثر منها دق ناقوس الخطر لقضايا تتعلق بالشعب التونسي ومستقبله وموقعه الحضاري…

 

4-      إرث الحركة اليوسفية: وإن ركزت حركة الشعب على هذه القضية في مرحلة ما بعد الثورة مباشرة، فإن أهميتها كانت تتطلب المركزية واعتبارها قضية دائمة لها، بل أنّ ذكرى اغتيال المرحوم صالح بن يوسف تمر كل سنة مرور الكرام بالنسبة للقوميين وأحزابهم وتنظيماتهم، إضافة إلى أن قضايا تعذيب اليوسفيين وملف مركز التعذيب المعروف بصباط الظلام وغيره من الملفات، وأطوار قضية قفصة وما أحيط بها من ملابسات بقيت غير مُحينة، ولم تقدم ندوات سياسية عنها في حد أدنى، ولم يرد الاعتبار للعديد من المناضلين القوميين، على غرار عمارة بن ضو بن نايل الذي غيب في الشاشات والبرامج والصحف بعد الثورة، وهو ما ينسحب أيضا على البطل عز الدين الشريف وأحمد المرغني، وغيرهم كثير …

 

 

5-      تهميش المفكرين القوميين والشخصيات القومية: غاب الاهتمام بشخصيات مناضلة، على غرار المرحوم الصادق الهيشري والمرحوم فوزي السنوسي وعمر السحيمي وآخرين، وجميعهم توفي في ظروف غامضة، إضافة إلى شهداء البعث في الثمانينات، على غرار البرايكي وغيره، كما أن المفكر محمد المسعود الشابي لم تطبع كتاباته رغم أهميتها النظرية، خاصة أنها تعتني بالاستراتيجي وبالمغرب العربي، ورغم ترجماته للكتابات التروتسكية، بل مرت ذكرى وفاته في أكثر من مرة دون الاحتفال ولو البسيط بها…

 

6-      مركزية القضية الفلسطينية: وإن بقيت القضية الفلسطينية مركزية في خطاب التنظيمات والأحزاب القومية، فإنها تراجعت كميا ونوعيا في اهتمامات الأحزاب القومية بعد الثورة، وسيطر الوطني والسياسي منه تحديدا على خطابها، وغابت الاحتفالات بالمناسبات الفلسطينية، كما تراجع الاهتمام اليوم بأخبار فلسطين، بل حضر منطق الكيل بمكيالين تجاه تعامل الأنظمة العربية مع القضية وتطوراتها …

 

7-      قضايا أخرى عديدة: لم تستطع التيارات والتنظيمات القومية أن ترتب أولوياتها تجاه قضايا أخرى تهمّ العرب والأمة العربية وتهمّ شعب تونس العربي، بل إن تلك التنظيمات والأحزاب لم تستطع أن ترسم صورة لدى المواطن تبين أنها تهتم به وبقضاياه؛ نتاج أنها بقيت تنظيمات وأحزابا نخبوية، وسقطت في استحضار تجاذبات سياسية من عقد الثمانيات في الجامعة التونسية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق