
المهدي ثابت:
مقدمة:
ليبيا بلد عربي مسلم مساحته 1800000كم مربع يحده شمالا البحر الأبيض المتوسط وغربا تونس والجزائر وجنوبا النيجر وتشاد وشرقا مصر والسودان. عدد سكانه 6 ملايين ونصف المليون نسمة حسب آخر تعداد. وهو بلد غني بثرواته الطبيعية ويعتمد في مدخوله على تصدير النفط الخام. عرفت ليبيا استعمارا ايطاليا غاشما لم يساهم في تطوير البلد لا على المستوى الثقافي المعرفي ولا على مستوى البنية التحتية والاقتصاد. استقلت ليبيا سنة 1951 . وقاد البلاد الملك إدريس السنوسي الذي وحد أقاليمها الثلاثة(برقة وفزان وطرابلس) وحكمها من سنة 1951 الى سنة 1969 تاريخ الإنقلاب الذي قاده معمر القذافي. حكم القذافي البلاد حكما فرديا مطلقا طيلة 42 سنة. ولم تعرف مؤشّرات التنمية في هذه الحقبة تقدما. فالبنية التحتية بقيت متخلفة والإقتصاد يعتمد بشكل يكاد يكون مطلقا على مداخيل النفط وهو ما جعله اقتصادا ريعيا بامتياز في ظل تدني النمو الصناعي.كما عرفت مناهج التعليم تهميشا غير مسبوق وهو ما انعكس على الحياة الثقافية والإجتماعية في البلاد. ولم يكتف النظام السياسي بذلك بل خنق الحياة السياسية وجرّم التنظّم الحزبي وهمّش النخب الفكرية والثقافية مما انجر عنه تصحّرا في الواقع السياسي والثقافي في البلاد. وفي سنة 2011انطلقت شرارة الثورة في ليبيا رغم أن البلاد لم تكن مرشحة لذلك بالنظر لحالة الرفاهية الاقتصادية النسبية للمواطن الليبي مقارنة بنظيره التُّونسي والمصري.
الثورة الليبية والمسار الانتقالي :
حالة الإحساس بالغبن وبالتخلّف الذي تعرفه البلاد رغم ثرواتها الضخمة هو ما جعل المواطن في ليبيا يثور على واقعه وينحاز لبلاده التي حولها القذافي إلى مزرعة له ولأبنائه ومقربيه.إنها ثورة الحرية و الكرامة فعلا وليس ثورة جياع. وما ميّز الثورة الليبية عن بقية الثورات العربية أنها ثورة مسلحة امتدت لسبعة أشهر تم خلالها إنهاء حكم معمر القذافي. وكانتفي بدايتها مرشحة لأن تكون من أنجح الثورات بالنظر لمقدرات ليبيا الاقتصادية والتي بإمكانها أن تجعل المواطن الليبي في درجة متقدمة جدّا من حيث الرفاهية الاقتصادية ولكن الظاهر أن الثروة النفطية الليبيّة كانت لعنة على الليبييّن. إذ مباشرة بعد إعلان نهاية نظام القذافي حكم المجلس الوطني الإنتقالي البلاد ( المجلس الذي قاد الثورة) وكان رئيس الحكومة هو السيد المهندس عبد الرحيم الكيب. وعرفت البلاد في فترة هذه الحكومة حالة من التضامن الشعبي غير مسبوقة والتفاف حول الحكومة التي احترمت الإعلان الدستوري وسيّرت البلاد بشكل سلس وناجح رغم انتشار السلاح في كامل البلاد . ويمكن القول أن حكومة السيد الكيب هي أنجح حكومة بعد الثورة إذ أنهت عهدتها بتنظيم انتخابات تشريعية(انتخاب المؤتمر الوطني العام) للتحول من الوضع الإنتقالي إلى الوضع الدستوري والمؤسساتي الدائم. واليوم تعيش البلاد وضعا خطيرا يهدد كيان الدولة . فما الذي أوصل البلاد إلى هذه الحال؟وما هي مفردات المشهد اليوم؟وما المستقبل المنتظر لهذا البلد ؟ هذه اسئلة تستوجب الإجابة عنها إلماما بعدة مسائل في ليبيا لا يمكن الإتيان عليها جميعا نظرا لتشعب المشهد وتعقده. ليبيا بلد غني بثروته البترولية، يحتل موقعا استراتيجيا على الضفة الجنوبية للمتوسط ويمتد بحدوده إلى الصحراء الكبرى والعمق الإفريقي. ولذلك لا يمكن أن يبقى هذا البلد خارج الإهتمام الدولي. وهذا تجلى من بداية الثورة عندما تدخل حلف الشمال الأطلسي وساند الثورة وساعد على إسقاط نظام القذافي طمعا في نظام جديد يقطع مع سياسة العقيد التي اتسمت لعقود بغياب الوضوح خصوصا تجاه أمريكا واأوروبا . ولذلك لم يجد القذافي مساندة من هذه الدول في بداية الثورة بل على العكس ساندت الثوار سعيا منها لتكريس واقع سياسي جديد في ليبيا يضمن لها مستقبلا مصالحها الإستراتيجية في هذا البلد المهم. هذا الإهتمام الدولي سيتجلى تدخلا في الملف الليبي كما سيتوضّح لاحقا عند تعرضنا لأشكال وأطراف التدخل في الأزمة الليبية. وبالعودة الى البدايات . بدايات العهد الجديد في ليبيا تضامن الشعب وتلاحم مع القيادة ومرّت سنة 2011والنصف الأول من سنة 2012 بشكل يوحي وأن الثورة ماضية في طريق النجاح وأنها من انجح الثورات العربية باعتبار قطعها مع كل ممارسات ومكونات العهد السابق لها. إلا أنه بعد إجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام في جويلية 2012 وانتخاب أول حكومة للمؤتمر الوطني العام، بدأت الخلافات السياسية تدبّ بين مختلف الكتل والمكونات السياسية في المؤتمر(كتلة تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جيريل وهو تحالف لأكثر من أربعين حزبا وجمعية تجمعها قيم الليبيرالية وكتلة حزب العدالة والبناء القريب من تنظيم الإخوان المسلمين وكتلة الجبهة الوطنية وكتلة الوفاء للثورة). وانعكس ذلك على أداء حكومة السيد علي زيدان المحسوب على تحالف القوى الوطنية الذي يقوده محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الإنتقالي. وبدأت الروح الجهوية والقبلية والحزبية تسيطر على المشهد العام في البلاد. وتجلّى ذلك واضحا في تشكيل وزير الدفاع في حكومة زيدان السيد أسامة الجويلي(من قادة ثوار الزنتان) للواءي ” القعقاع والصواعق” وسمّاهما “قوات حرس الحدود” لكنهما استقرا في مدينة طرابلس والتي كان فيها ثوار من كل المدن الليبية وخصوصا من مدينة مصراته القوة العسكرية الضاربة وروح الثورة وحاميتها والعناصر المنتمية للواءي القعقاع والصواعق، أغلبهم من مدينة الزنتان وهي مدينة وزير الدفاع أسامة الجويلي. ومع ضعف الحكومة الشّديد بدأت سطوة الكتائب العسكرية تبرز في العاصمة طرابلس وكثرت التجاوزات من هاتين الكتيبتين وبدأ المواطن يتذمر ويشعر بغياب الدولة أمام سطوة الكتائب العسكرية التي لا تستطيع الحكومة ردعها. ووقعت أحداث “غرغور” الشهيرة في مدينة طرابلس في نوفمبر 2013 وهي عبارة عن مظاهرات تطالب بخروج الكتائب من طرابلس والعودة إلى مناطقها. وسقط في هذه المظاهرة حوالي 40 قتيلا بين مدني وعسكري. وغادرت كتائب مصراته مدينة طرابلس بعد هذه الأحداث وبقيت قوّات الزنتان المتمثلة في لواءي “القعقاع والصواعق” وازدادت تجاوزاتها. في هذه الأثناء كانت الخلافات السياسية على أشدها بين كتلة تحالف القوى الوطنية وبين كتلة حزب العدالة والبناء القريب من الإخوان المسلمين.وانعكس هذا الخلاف على الشارع وعلى القوى المسلحة في البلاد دون حصول تصادم أو قتال. وهو ما جعل تحالف القوى الوطنية وشقه في الحكومة يعمل على تقوية وتثبيت لواءي “القعقاع والصواعق” في مدينة طرابلس علما وأن لواء القعقاع يقوده عثمان مليقطه شقيق عبد المجيد مليقطه الرجل الثاني في تحالف القوى الوطنية وهو من مدينة الزنتان وتم منح أرقام عسكرية لعناصر اللواءين ليكتسبا الصفة الرسمية. وفي الآن نفسه كانت أغلب كتائب الثوار ومن مختلف المدن قريبة من التيار الإسلامي أو يغلب عليها السّمت الإسلامي ومنضوية تحت رئاسة الأركان العامة التي يشرف عليها مباشرة وكيل وزارة الدفاع السيد خالد الشريف المحسوب على التيار الإسلامي، وولاؤها المطلق لثورة فبراير ومبادئها المتمثلة أساسا في القطع مع العهد السابق ممارسة وشخوصا وبناء ليبيا جديدة تقودها دولة القانون والمؤسسات. وفي ظل هذه الخلافات التي استحكمت بين مكونات الثورة بدأت تبرز قوى جديدة على الساحة وهي أساسا قوى محسوبة على النظام القديم. كما بدأت قوى ما يسمى بالتيار المدني والمشكل أساسا من القوى المكونة لتحالف القوى الوطنية في استمالة بعض العناصر العسكرية التي قاتلت مع العقيد القذافي في اللّواء 3 مدرّع الذي كان يقوده خَميس القذافي نجل العقيد معمر القذافي. وانضمت هذه العناصر للواءي القعقاع والصواعق في مواجهة القوى المحسوبة على خط فبراير تحسبا لمواجهة عسكرية قادمة وإعدادا لأمر سيتجلى بعد ذلك. وكان الحدث الكبير الذي غيّر كثيرا من المعادلات في ليبيا هو الإنقلاب الذي حدث في مصر.إذ لم يمر سوى بضعة أشهر على هذا الحدث حتى أعلن خليفة حفتر عن انقلاب أبيض في تلفزيون ” العربية”في فيفري 2014 معلنا عن إسقاط الحكومة والمؤتمر الوطني العام. ولكنه كان انقلابا ابيض، إذ صدرت في حقه برقية تفتيش من رئيس الحكومة السيد علي زيدان، وتوعّده وزير الدفاع الجديد السيد عبد الله الثني (خليفة اسامة الجويلي في الوزارة) ثم اختفى حفتر من المشهد . وبعد أيام قليلة(مارس 2014) استقال السيد علي زيدان من رئاسة الحكومة إثر فضيحة الباخرة التي غادرت ميناء البريقة محملة بالنفط دون إذن الحكومة والمؤسسة الوطنية للنفط. وغادر البلاد تحت حماية قوات الزّنتان المسيطرة على مطار طرابلس ليتولى بعده عبد الله الثني رئاسة الحكومة . ثم استقال بدوره بالنظر لحالة التجاذب السياسي الحاد في البلاد ليتم انتخاب أحمد امعيتيق ابن مدينة مصراته رئيسا للوزراء. في هذه الأثناء تم ضرب بيت عبد الله الثني في طرابلس بالآربيجي وطالبته قوات “القعقاع والصواعق” ومن ورائها تحالف القوى الوطنية بالعودة لرئاسة الحكومة ويقع الخلاف على الطريقة التي تم بها انتخاب أحمد امعيتيق ويمر الأمر إلى المحكمة العليا التي تحكم بعدم شرعية انتخاب أحمد امعيتيق ويغادر رئاسة الحكومة ليعود لها عبد الله الثني .وفي هذه الأثناء تقع الانتخابات التشريعية التي يفوز فيها التيار المدني المحسوب على تحالف القوى الوطنية ويفوز أيضا التيار الفيديرالي في الشرق الذي يطالب بحقوق إقليم برقة وبالقيادة الذاتية للإقليم تحت السيادة الليبية. رغم أن الإنتخابات أجريت حسب النظام الفردي وليس بنظام القائمة الحزبية. وسمي هذا الجسم التشريعي الجديد ” مجلس النواب” . وقبل إجراء جلسة الإستلام والتسلم مع المؤتمر الوطني العام يغادر البرلمان الجديد إلى مدنة طبرق ويزاول عمله من هناك في انتهاك للإعلان الدستوري . ورفعت قضية في طرابلس ضد شرعية انتصاب البرلمان في طبرق وتحكم المحكمة العليا بحل البرلمان لخلل قانوني في عملية الإنتخاب. وحكم المحكمة العليا بات ونهائي وهو ما اعتبرته قوى الثورة انتصارا كبيرا لها .؟ ولكن البرلمان لم يخضع لقرار المحكمة واعتبره قرارا مُسيّسا وقع تحت قوة السّلاح. في هذه الأثناء تكتشف غرفة ثوار ليبيا خطة متكاملة أعدها تحالف القوى الوطنية وقوات الزنتان للسيطرة على مدينة طرابلس وعلى المعسكرات التابعة لثوار فبراير. هذه الخطة كما جاء في تفاصيلها مدعومة بشكل قوي من دولتي مصر والإمارات العربية المتحدة. وانطلقت عملية فجر ليبيا التي قادتها غرفة ثوار ليبيا ضد قوات “القعقاع والصواعق” ، وتم إخراجهم من مدينة طرابلس. ويعود المؤتمر الوطني للإنعقاد تلافيا للفراغ الدستوري ثم تشكل حكومة الإنقاذ الوطني التي ترأسها عمر الحاسي ابن مدينة بنغازي والمحسوب على ثوار فبراير.وكانت حكومة عبد الله الثني قد غادرت طرابلس واستقرت في مدينة البيضاء في الشرق الليبي لتصبح ليبيا منذ النصف الثاني من سنة 2014بلدا بحكومتين وبرلمانين وقوتين عسكريتين ؟. وتسيطر حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس على أكثر من 80 بالمائة من الأراضي الليبية وعلى أغلب المقدّرات الاقتصادية للبلاد وتحت إمرتها أكثر من 5ملايين ليبي أغلبهم يقطنون المنطقة الغربية وتعمل تحت إمرتها قوة عسكرية ضاربة .في هذه الأثناء يعلن خليفة حفتر عن عملية الكرامة في بنغازي(ماي 2014) بعد أن تم الإعتراف به من قبل الحكومة القائمة في الشرق و من البرلمان المعترف به دوليا مدعوما بشكل علني وغير مخفي من مصر والإمارات العربية المتحدة . ومن المفارقات أن الوزير الذي يصدر فيه برقية تفتيش في طرابلس هو عبد الله الثني الذي يعترف به ويدعمه في الشرق. ومن نتائج عملية الكرامة في بنغازي بعد أكثر من سنة ونصف على انطلاقتها تدمير مدينة بنغازي وتدمير النسيج الإجتماعي فيها وموت أكثر من 9 آلاف مقاتل أغلبهم من أنصار حفتر حسب إحصائيات مستشفيات المدينة .إن الغاية من عملية الكرامة هو السيطرة على مدينة بنغازي عاصمة إقليم برقة، ثم التوجه نحو الغرب حتى العاصمة طرابلس .ولكن النتيجة اليوم أن حفتر لم يستطع السيطرة على المدينة وعملية الكرامة تعرف مشاكل كبيرة داخلها وحفتر بدأ يفقد ثقة أنصاره في الداخل وثقة من دعمه من الخارج رغم الإصرار من مصر إلى حد اليوم على أن يكون حفتر عضوا في الحكومة الوفاق الوطني مكلفا بوزارة الدفاع.
كما ضعف كثيرا في المنطقة الغربية بعد أن أدركت قوات الزنتان وجيش القبائل المحسوب على أنصار القذافي أن حفتر فشل في معركة الشرق وأنه لا يمكن الإعتماد عليه في الغرب. وأن إطالة المعركة في المنطقة الغربية سيصب في مصلحة اللاعب الجديد وهو تنظيم الدولة والتدخل العسكري الأجنبي بعد أن أدرك الجميع استحالة الحسم العسكري بإرادة دولية.وهناك حديث اليوم في المنطقة الغربية ليس عن هدنة فقط فهي قائمة وصامدة . ولكن عن خطة التقاء بين الفرقاء خاصة من الزنتان وقوات فجر ليبيا على مبادئ ثورة فبراير وتجاوز الخلافات القائمة نظرا لأن الخطر أصبح يهدد الجميع. كان الصراع يدور سنتي 2014 و 2015 بين قطبين كبيرين في ليبيا: هما التيار المدني يتزعمه تحالف القوى الوطنية ومعه ألوية الزنتان العسكرية، ثم تحالف معهما بعد ذلك ما بات يعرف بجيش القبائل أو إن شئنا الجناح العسكري لأنصار القذافي الذين نظموا صفوفهم في ظل الخلافات بين أطراف الثورة وفي ظل الفوضى وضعف الدولة. والقطب الثّاني هو تيار فبراير مسنودا من الإخوان المسلمين ومن القوى الوطنية المؤمنة بالقطع التام مع القديم وجناحه العسكري،و هي قوات الثوار المهيكلة في كتائب عسكرية يعمل أغلبها تحت إمرة رئاسة الأركان العامة في طرابلس أو ما أصبح يعرف بعد ذلك بقوات فجر ليبيا رغم أن فجر ليبيا هي عملية عسكرية وليست تنظيما سياسيا أو عسكريا. وأمام الهزيمة العسكرية الكبرى التي منيت بها قوات الزنتان ومن تبعها من الأطراف السياسية المساندة لها وعلى رأسها تحالف القوى الوطنية الذي تستقر أغلب قياداته في دولتي الإمارات ومصر في عملية فجر ليبيا تغيرت المعادلة من جديد ليأخذ الصراع أبعادا أخرى داخليا وخارجيا.لقد تحالفت قوات الزنتان المنهزمة عسكريا في عملية فجر ليبيا مع خليفة حفتر قائد عملية الكرامة في الشرق وليكونوا مع بعضهم ما أطلقوا عليه ” الجيش الليبي” بقيادة خليفة حفتر المدعوم من البرلمان في طبرق ومن حكومة عبد الله الثني في البيضاء وخارجيا بالمال من الإمارات وعسكريا من مصر. وقد راهنت عليه الأطراف الداعمة له من الداخل والخارج على تخليصها من القوى المحسوبة على الثورة مراهنة على علاقاته مع أمريكا وعلى ثقة الغرب فيه. وخيضت عملية الكرامة تحت شعار محاربة الإرهاب.ولكن فشلت الكرامة في السيطرة حتى على مدينة بنغازي ناهيك عن بقية المدن وخاصة في الغرب الليبي. ولكن لم يستطع أيّا من طرفي الصراع حسم المعركة لصالحه ذلك أن القوى الدولية المهتمة بما يجري في ليبيا ليس من صالحها الحسم العسكري لهذا الطرف أو ذاك، وإنما عملت على إنهاك القوى المتصارعة حتى تجلس صاغرة إلى طاولة الحوار وتقبل بالحل الدولي الذي هو في الواقع الحل الذي ارتضته القوى الكبرى التي لها مصالح في هذا البلد الجريح. فليبيا ليست أي بلد إنه بلد النفط والثروات الباطنية والقوى العظمى من أمريكا إلى روسيا إلى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا تتابع الوضع في ليبيا وتؤثر في المشهد بشكل ظاهر وخفي إلى جانب بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها مصر والإمارات العربية المتحدة رغم اختلاف الأجندات . فالقوى الغربية غايتها تركيز حكومة تضمن لها مصالحها في ليبيا بقطع النظر عن مكونات هذه الحكومة . وأما مصر والإمارات فهما ضد أي حكومة تكون قوى الإسلام السياسي طرفا فيها .؟ هذا في المستوى السياسي . آما اقتصاديا فإن لمصر أطماع في نفط برقة وهي تدعم حفتر ليضمن لها هذا الأمر . أما الإمارات فإنها تخشى من أن تتحول ليبيا إلى قوة اقتصادية كبرى وتتحول الموانئ الليبية إلى مراكز تجارية عملاقة تهدد ميناء دبي الذي يعتبر من ركائز الاقتصاد الإماراتي. وعودا إلى طبيعة الصراع اليوم في ليبيا فقد أخذ بعدا آخر بعد دخول لاعب جديد للساحة إنه تنظيم داعش والذي حوله عديد الاسئلة سواء من حيث طبيعة المهمة أو من طبيعة انتشاره في الزمان والمكان.
حقيقة “داعش” في ليبيا، الأطوار والادوار :
إن ملف داعش في ليبيا ليس من السهل الخوض فيه رغم أنه أصبح مادة سهلة التناول للعارفين بطبيعة الأوضاع في ليبيا وغير العارفين والجميع يحبر ويكتب دون إدراك دقيق، لا لطبيعة نشأة هذا التنظيم في ليبيا ولا لأماكن تمركزه ولا للأطراف المستفيدة من تواجده. وأول سؤال منطقي وعقلاني يطرحه الباحث الجاد في هذا الملف الأمني بامتياز كيف تمكن هذا التنظيم في ظرف وجيز من السيطرة على مدينة سرت الليبية القريبة من الهلال النفطي شريان الحياة في هذه البلاد؟وما أماكن انتشاره في البلاد؟وكيف تمكّنت داعش من دخول ليبيا والسيطرة على بعض الرقع الترابية؟ ومن هي الأطراف التي حاربته ؟ ولماذا توقفت الحرب على التنظيم في ليبيا؟ .
لقد استغل هذا التنظيم ضعف الدولة في ليبيا وحالة الحرب القائمة ليسيطر في ظرف وجيز جدا فاجأ المتابعين في العالم على مدينة سرت. فهل يملك التنظيم قوة عسكرية ضاربة ليتمكن بهذه السرعة من السيطرة على مدينة تعد من المدن الكبرى في ليبيا؟ قطعا لا ؟ فالعدد الحقيقي لعناصر التنظيم في سرت لا يتجاوز بضع مئات وما مكّنهم من السيطرة على المدينة هو أن المجلس البلدي لسرت طلب من الكتيبة 166 التابعة لرئاسة الأركان العامة في طرابلس التابعة لحكومة للإنقاذ الوطني والتي كانت تبسط الأمن في المدينة بضرورة مغادرتها بعد قصف طيران حفتر للمحطة البخارية التي تزود المدينة بالكهرباء وتبرير المجلس البلدي كما جاء في بيان الطلب هو أن لا تكون المدينة ساحة حرب بين الكرامة وفجر ليبيا. وفعلا خرجت الكتيبة من سرت واستقرت على أطرافها.في هذه الأثناء يعلن تنظيم داعش عن سيطرته على المدينة. وبعد ظرف وجيز تنفد “داعش” عملية انتحارية ضد عناصر من الكتيبة 166 وتقرر رئاسة الأركان العامة في طرابلس شن الحرب على داعش وتطهير المدينة منها وتخوض معارك عنيفة ضد التنظيم.وعندما اقتربت الكتيبة 166من دخول المدينة يطلب المجلس البلدي سرت إيقاف القتال ويرفض دخول قوات الكتيبة للمدينة بتعلة أن ذلك سيؤدي إلي تدميرها .والحقيقة أن المجلس البلدي لسرت كان يرفض أن تدخل قوات مصراته إلى المدينة وهو من أوعز لحفتر بضرب المحطة البخارية التي راح ضحيتها 16مقاتلا من قوات حرس المنشآت التابعة لوزارة الداخلية في طرابلس. وبعد قرار المجلس البلدي لسرت تنسحب قوات الكتيبة 166 وتستقر على مسافة قريبة من المدينة على أن توضع خطة شاملة لطرد الدواعش منها. إلا أن المجلس البلدي يرفض مرة أخرى أي هجوم على المدينة ويتأكد للحكومة في طرابلس أن قوى فاعلة في سرت هي التي مهدت لعناصر التنظيم واحتضنتهم وإلا كيف يمكن لقوة لا يتجاوز عددها 400 مقاتل أن تحتل مدينة في مدة زمنية وجيزة تعد بالساعات لا بالأيام. وما يؤكد هذا القول هو تصريح بعض أعيان سرت بكامل الوضوح نار “داعش ولا جنة مصراته” لأنهم يعتبرون أن مصراته كانت سببا في الدمار الذي لحق المدينة أيام محاصرة القذافي فيها والقبض عليه. والمعلوم أن سرت إلى يوم الناس هذا تعتبر من المدن الموالية للقذافي وأنها ضد الثورة. وإذا اضفنا إلى هذا تصريح “أحمد قذاف الدم” بأن شباب داعش هم شباب أنقياء يريدون توحيد الأمة تحت راية الخلافة. وكان هذا التصريح مباشرة بعد السيطرة على سرت في قناة تلفزية مصرية مؤيدة للإنقلاب في مصر الذي يدعي أنه يحارب الإرهاب . وقذاف الدم هو الرجل الأول في أنصار القذافي اليوم. هذه المعطيات تطرح عديد الأسئلة حول علاقة داعش بأنصار القذافي علما وأن قيادات مهمة للتنظيم في سرت كانوا من العناصر الأمنية ومن القيادات الشعبية في العهد السابق. سرت مدينة قريبة من الهلال النفطي الذي يقع شرقها بمائتي كم ولا تفصلها عنه سوى قريتي “هراوة والنوفلية” اللتين سيطر عليهما التنظيم مؤخرا ليتمكن بعد ذلك من ضرب ميناء السدرة النفطي ويحرق بعض الخزانات المملوءة بالنفط الخام ويقتل بعض العناصر من حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران الذي كان مواليا لحفتر قبل أن يختلف معه إلى حد القطيعة. والسؤال لماذا تم ضرب قوات إبراهيم الجضران من طرف داعش بعد خلافه مع حفتر ؟ ولماذا لم يتدخل طيران حفتر ليمنع داعش الوصول إلى الميناء والخزانات؟ألا يعتبر ذلك تواطؤا من حفتر؟ إن من ساند قوات الجضران في التصدي للهجوم الداعشي هي القوات الجوية التابعة لرئاسة الأركان العامة( من مكونات عملية فجر ليبيا) والتي حسمت المعركة في الأخير رغم خلافها الشديد مع الجضران ولم تتمكن داعش من السيطرة على الميناء. لقد أدركت الحكومة في طرابلس أن هناك قوى فاعلة في سرت وفي ليبيا تريد لهذا التنظيم أن يستنزف قوى رئاسة الأركان ويشتتها لتستغل قوى أخرى هذا الوضع وتهجم على بعض المواقع المهمة ومنها العاصمة طرابلس.ولذلك خيرت أن لا ترسل قواتها لمناطق يجد فيها هذا التنظيم حاضنة.وإذا تحدثنا عن مدينة درنة فسنتعرف إلى عديد المفارقات والتي تحيل على عديد الأسئلة المشروعة. المعلوم تاريخيا أن مدينة درنة معروفة باحتضان تنظيمات جهادية. ولكن لم يبرز هذا التنظيم إلى العلن إلا من سنة فقط مع تغلغل عملية الكرامة في الشرق الليبي. ودخل في صراع مسلح مع مجلس شورى ثوار درنة وتمكن مجلس شورى الثوار من القضاء على التنظيم في المدينة ليبقى موجودا فقط في منطقة الفتائح القريبة من درنة وهي منطقة جبلية مفتوحة. المفارقة العجيبة أن عملية الكرامة التي تأسست لتحارب الإرهاب والتنظيمات المتطرفة لم تطلق في هذه المعركة ولو رصاصة واحدة ضد الدواعش بل إنها ساهمت في قتل العقيد محمد بو غفير قائد ثوار مدينة البيضاء عندما هب بعناصره لمساندة مجلس ثوار درنة ضد داعش, وتمكنت داعش من قتله عندما منعت قوات حفتر من الخلف وصول الذخيرة له أي قطعت قوات حفتر خطوط إمداده مما مكن داعش في منطقة الفتائح من قتله.وفي الأيام الأخيرة تحدث الإعلام عن قصف جوي من طيران مجهول على مواقع للتنظيم في درنة، ولكن سرعان ما تجلت الحقيقة. فالطائرة التي ضربت فجرا استهدفت مستشفى ومسجدا وبنكا ومنزلا لعائلة وراح ضحية القصف أم وابنتها ولم تكن الضربة موجهة للدواعش علما وأن الضربة وقعت بعد عشرين دقيقة من انطلاق هجوم مباغت على التنظيم في منطقة الفتائح من طرف مجلس شورى ثوار درنة . وقد أربكت الضربة الهجوم ونفست على التنظيم. وهذه الطائرة ليست ليبية. فالطيران الليبي ليست له القدرة على القصف ليلا باعتباره غير مزود بأجهزة الرؤية الليلية.وفي اليوم الموالي تحلق طائرة تابعة لحفتر فوق مدينة درنة وتقصف موقعا لقوات مجلس الشورى ويتم التصدي لها بالمضادات الأرضية ويتم إسقاطها في ضواحي المدينة. وكان قائدها صالح الدينالي الذي يعمل في القاعدة الجوية في طبرق.ويرجح أن الطائرة التي قصفت أهدافا مدنية هي طائرة إماراتية انطلقت من مصر. وسبب التكتم عن هوية الطائرة هو استهدافها لأهداف مدنية كما بينت ذلك وسائل الإعلام بالصوت والصورة مما أثار حفيظة عديد المنظمات الدولية ومنها ” هيومن رايتش ووتش “، التي نددت بالعملية واعتبرتها اعتداء صارخا على المدنيين في درنة. وفي بنغازي تقاتل قوات الكرامة مجلس شورى ثوار بنغازي وهم الثوار الذين قادوا الجبهات في حرب التحرير أيام القذافي. وداعش في بنغازي لا توجد إلا في منطقة واحدة في المدينة وهي حي ” اللّيثي” وكل مخابرات العالم تعلم ذلك، وتعلم تركيبة مجلس شورى ثوار بنغازي ومكوناته. والغرب يغض الطرف عن تجاوزات حفتر في بنغازي حتى لا تتمكن الأطراف المحسوبة على الثورة من السيطرة على الأوضاع في الشرق. أضف إلى ذلك مساندة مصر والإمارات اللامشروطة لحفتر في حربه ضد قوى الثورة في ليبيا. والغرب اليوم ينزع الغطاء عن حفتر ويخرجه من المعادلة السياسية ومن الحياة العسكرية( لا مكان له في حكومة التوافق الوطني) باعتباره شخصية جدلية مرفوضة في الغرب الليبي وبدا أنصاره ينفضون من حوله والخلافات حادة جدا داخل معسكر الكرامة كما سيتبين عند حديثنا عن حكومة الوفاق الوطني كما تسمى. والأيام القادمة منذرة بأوقات صعبة لحفتر. وقد نجده من جديد في بيته في فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية. وبالعودة إلى الغرب الليبي وبالتحديد إلى مدينة “صبراته” حيث الحديث عن داعش في هذه المدينة. ما هو ثابت وأكيد ، أنه لا يوجد مراكز ولا مخيمات تدريب لداعش في هذه المدينة وأن معسكري اليرموك والكشاف التي قيل أنهما مركزي تدريب للدواعش هي محض أكاذيب. فهذان المعسكران هما تحت إمرة وزارة الداخلية ورئاسة الأركان العامة. فمعسكر البراعم الآن يستعد لتخريج دفعة من قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية. ويتم تدريب الشباب من طرف ضباط تابعين لوزارة الداخلية .ومعسكر اليرموك تتدرب فيه قوة عسكرية لتخريج دفعة من ضباط الجيش التابعين لوزارة الدفاع. لكن ماهو مؤكد أيضا أن هذه المدينة بها قطاع عريض من الشباب المتدين ومن يحمل الفكر التكفيري من هؤلاء الشباب هم قلة، وهم تحت مراقبة الأجهزة الأمنية والدليل أنه عندما استضاف أحدهم ( من عائلة الدباشي وهي عائلة إبراهيم الدباشي مندوب ليبيا في الأمم المتحدة)شابا تونسيا منتم لداعش ويحمل موادا متفجرة تم محاصرتهما وإلقاء القبض عليهما وهما الآن في السجن في طرابلس ولكن هذا لا يمنع أيضا من القول أن هناك خلايا داعشية في سبراطه تساعد على تسفير الشباب القادم من الخارج إلى أماكن أخرى داخل ليبيا وخارجها.ولكن لماذا تقع مراقبة هذا الشباب فقط دون اعتقالهم؟يبرر المسؤولون الأمنيون هذا الأمر بكون هؤلاء الشباب هم أبناء عائلات معروفة وعملية القبض عليهم قد تثير مشاكل مع الأهالي. وتسعى السلطات الرسمية لأن تبقى المدينة هادئة وأن تتفرغ القوى الأمنية لبسط الأمن على تخوم المدينة المهددة في كل وقت من المدن المجاورة التي بها عناصر منتمية لجيش القبائل.كما أن الأجهزة الأمنية لا تمتلك جهازا استعلاميا قويا يمكنها من اختراق هذه المجموعات. والتحديات المطروحة على الأجهزة الأمنية متعددة والخطر لا يتمثل في داعش فقط وإنما أيضا في جيش القبائل الموجود في المدن القريبة منها. إن الذي يعرف ليبيا يعرف أن مدينة سبراطه مدينة آمنة والقوات التي تؤمنها منضوية تحت رئاسة الأركان العامة في طرايلس . ومن أشاع فكرة داعش في سبراطه إلى درجة الإدعاء بتحولها إلى إمارة داعشية هي أطراف إعلامية ليبية معادية لخط فبراير. وهذه المدينة هي التي وقفت شوكة في وجه عناصر جيش القبائل المحسوب على أنصار القدافي في مدن العجيلات والجميل ورقدالين وهي مدن في المنطقة الغربية قريبة من سبراطه ومن الحدود التونسية. وهذه المدينة لا تمثل خطرا على ليبيا وعلى الجيران .ولعل الزيارة التي قام بها وفد إعلامي أوروبي لهذه المدينة في الأيام الأخيرة وما كتبه هؤلاء الإعلاميون حول المدينة فند العديد من الأكاذيب التي راجت حولها والتضخيم الذي أحاط بها. هذا بإيجاز ويمكن التفصيل في هذا الأمر. والغاية من تضخيم الحديث عن داعش في صبراته هو لموقعها المتوسط لبقية المدن الواقعة غرب طرابلس ولمجلسها العسكري القوي الذي يساهم مساهمة كبيرة في تأمين مناطق الغرب الليبي ولوقوفها شوكة ضد عناصر جيش القبائل في المدن المذكورة. وعموما يمكن القول أن داعش في ليبيا وقع تضخيم خطرها وهناك جهة أو جهات تحركها بالريموت كونترول. فكل العمليات التي قامت بها في ليبيا استهدفت قوى محسوبة على الثورة. كما لم تنفذ ولو عملية واحدة ضد قوات الكرامة أو ضد انصار القذافي عسكريين كانوا أو مدنيين.وكل العمليات أوقاتها مدروسة بدقة وتحقق هدفا لقوى خارجية. وإلا فما معنى أن تضرب داعش ميناء السّدرة وما يعنيه النفط بالنسبة للقوى الكبرى ؟ أليس ذلك استدعاء واضحا للتدخل العسكري في ليبيا؟ أليس ذلك تبريرا لأي قرار دولي بالتدخل في ليبيا وفرضا لحكومة التوافق رغم رفض قطاع عريض من الليبيين لها؟.
لقد استغل تنظيم داعش ضعف الدولة في ليبيا وحالة الانقسام في البلاد و تناقضات المشهد لتلتقي مصالحه مع أطراف داخلية وخارجية لا تريد الإستقرار للبلاد . إن داعش في ليبيا بندقية للإيجار يتم استعمالها لخدمة أجندات خفية. والمتتبع لعملياتها يستنتج دون عناء أنها تصب في مصلحة قوى إقليمية وغربية لها أطماع ولها أجندات في هذا البلد .فالقوى الغربية التي قررت التدخل عسكريا في ليبيا قد اتخذت قرارها بالأساس لتمهيد الأوضاع للحكومة التي أشرفت الأمم المتحدة على تشكيلها. والتهديد بضرب داعش يخفي خلفه تهديدا بضرب كل من سيعرقل عمل هذه الحكومة أو يرفض الإعتراف بها. وإلا فما معنى أن يتخذ قرار التدخل في هذا الظرف ؟ ألم تتمكن داعش من سرت ومن بعض المناطق القريبة منها منذ مدة ليست بالقصيرة ؟ لماذا لم يتم استهدافها قبل أن تتمدّد ؟ لماذا لم تساند هذه القوى حكومة طرابلس لما أرادت ضرب التنظيم في المهد؟ أسئلة عديدة ستكشفها الأيام وغرف المخابرات الدولية.
سؤال الشرعيّة و آفاق حكومة الوفاق :
وما كان لهذا التنظيم أن يتواجد في ليبيا ويتمدد لو لم يجد البيئة الملائمة له من حيث الإحتضان وتوفر الأسلحة والدعم الخفي من الداخل .كما أن حالة الفوضى السياسية الشاملة في البلاد قد ساهمت بشكل فعال في استجلاب هذا التنظيم الذي ينمو في مثل هذه البيئات الجالبة للفوضى والتطرف الفكري والسياسي. فليبيا اليوم بها ثلاث حكومات : حكومة في طرابلس وحكومة في الشرق وحكومة في الخارج ترعاها الأمم المتحدة وتعترف بها ممثلا وحيدا للشعب الليبي. وهناك داعش عدو الجميع والبعبع المستعمل لبث الرعب وتنفيذ الأجندات. وتعمل الأمم المتحدة في هذا الواقع المعقد وتسعى جاهدة “لإرضاء” جميع الأطراف في الداخل والخارج دون أن تتمكن إلى حد الآن من تشكيل الحكومة المنشودة والطريق لا زال طويلا أمام الليبيين للتوافق . فاليوم معسكر طبرق المنضوي تحت البرلمان تشقه خلافات عميقة حول خيارات الأمم المتحدة وكذلك الشأن في طرابلس . فالقوى العسكرية والسياسية المحسوبة على الثورة منقسمة على نفسها بين قابل لخيار الأمم المتحدة ورافض .لأن اتفاق الصخيرات هو في الحقيقة ترتيب دولي وليس مخرج حوار ليبي عميق .والسيد السراج رئيس الحكومة لم تزكه أي جهة ليبية وانما أسقط إسقاطا من الأمم المتحدة . إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عندما قدمت في 2012الى ليبيا، كانت غايتها إعانة الليبيين على تركيز مؤسسات الدولة من دستور وبرلمان منتخب وحكومة تحترم دولة القانون والديمقراطية . ولكنها وجدت نفسها من بداية سنة 2014تسعى للتوفيق بين الليبيين لتجاوز مشاكلهم الداخلية عبر الحوار بدل لغة السلاح التي استحكمت بين الأطراف وسعت عبر مسار بدأه السيد “طارق متري” الدبلوماسي اللبناني الذي أعد وثيقة شاملة للمصالحة وخارطة طريق لخروج البلاد من الأزمة . ولكن هذه الخطة وجدت صدا عنيفا مما يسمى بالتيار المدني الذي يتزعمه تحالف القوى الوطنية .ويستقيل السيد طارق متري من رئاسة البعثة ليخلفه على رأسها الدبلوماسي الإسباني السيد “برنادينو ليون”في أوت 2014 والذي عمل لمدة تفوق السنة عبر مسارات متعددة شملت البرلمانين(المؤتمر الوطني العام في طرابلس ومجلس النواب المنعقد في طبرق) والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من جمعيات وهياكل بلدية وقبلية . وتوج هذا المسار باتفاق الصخيرات الشهير في 17ديسمبر 2015. ويستقيل السيد ” ليون ” ليخلفه الالماني ” مارتن كوبلر: الذي يواصل ما انتهى إليه سلفه ليدخل معه الإتفاق حيز التنفيذ إذ تم تشكيل “المجلس الرئاسي” الذي يتكون من تسعة أعضاء يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة(الشرق او اقليم برقة والجنوب او اقليم فزان والغرب او اقليم طرابلس) زائد رئيس المجلس وهو من العاصمة طرابلس. هذا المجلس مكلف حسب نص الإتفاق بتشكيل حكومة الوفاق الوطني على أن يصادق عليها البرلمان في طبرق لتصبح الحكومة الرسمية المعترف بها دوليا والتي ستحظى بدعم دولي كبير. ومن هنا يأخذ الخلاف في ليبيا بعدا آخ. فبعد أن انطلق بخلاف بين تحالف القوى الوطنية وحزب العدالة والبناء يتطور ليتحول صراعا بين مكونات فبراير وقوى تريد الانقلاب على مبادئ الثورة الذي تجلى في عملية فجر ليبيا. ثم يتطور لخلاف وصراع بين حكومتين وبرلمانين احدهما وهو برلمان طبرق مدعوما من عملية الكرامة التي يقودها خليفة حفتر في شرق البلاد والتي وراءها مصر والإمارات الدولتان اللتان تعملان على إجهاض تجربة الربيع العربي .وبعد اتفاق الصخيرات أصبح الخلاف في ليبيا على قاعدة القبول بالحل الدولي والرفض له. ومن نتائج هذا الإتفاق تفجر الخلافات داخل المعسكرين (طرابلس وطبرق) ففي طرابلس انقسم اعضاء المؤتمر الوطني العام بين رافض للحل الدولي باعتباره حلا مسقطا على الليبيين وأنتج حكومة وصاية مهمتها تحقيق مصالح القوى الكبرى، ومنها منح الشرعية للتدخل العسكري في ليبيا. ويساند هذا الشق في المؤتمر حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس وغرفة ثوار ليبيا ودار الإفتاء مقابل شق آخر يعتبر أن الحل الدولي هو طوق النجاة الأخير قبل أن تغيب الدولة وتتصومل البلاد مسنودا برأي عام عريض في الشارع الليبي يبحث عن أي حل يخرج البلاد من أزمتها العميقة التي آثرت على حياة المواطن في مختلف المجالات الإقتصادية والصحية والتعليمية والخدمية . والمحصلة تفكك جبهة فبراير وإن بقي هذا الأمر على المستوى السياسي فقط .
وفي طبرق تعقد المشهد أكثر. فبعد إقصاء خليفة حفتر من التركيبة الحكومية اشتدت الخلافات داخل معسكر الكرامة وأصبح الصراع علنيا بين قادتها بين من هو مع حفتر كمرشح وحيد للوزارة أو شخص يزكيه حفتر رأسا وبين من يعتبر أن حفتر قد فشل في مهمته وأن أوضاع المنطقة قد ساءت بشكل غير مسبوق . وكان ترشيح المهدي البرغثي لوزارة الدفاع التي منحت للمنطقة الشرقية النقطة التي أدخلت الكرامة في المنعرج الذي يؤذن بنهايتها وتفككها بعد انقسام القبائل حول المرشح علما وأن القبيلة في ليبيا لا تملك السلطة الفعلية إلا في المنطقة الشرقية عكس المنطقة الغربية التي تراجع فيها الدور القبلي كثيرا لصالح الأحزاب والمؤسسات المدنية والرسمية . وهذه الأيام سيسمع العالم بخروج أهم قادة الكرامة عن سلطة حفتر ومساندة مهدي البرغثي ليبقى حفتر مسنودا فقط من عناصر قليلة ليست لها فاعلية كبرى داخل الكرامة كما سيفقد مساندة قبيلة العواقير وهي القبيلة التي دفعت بأغلب أبنائها في عملية الكرامة وستتبعها قبيلة البراعصة التي منها فرج البرعصي القائد البارز في الكرامة الذي أبعده حفتر والمهدد الآن في حياته كما سيفقد ثقة قبيلة العبيدات التي له معها خلافات على خلفية اغتيال العديد من أبنائها والشكوك تحوم حول حفتر . هذه القبيلة ستجد الفرصة مؤاتية لتعلن رفضها لحفتر .وأهم المستجدات في هذا الموضوع الإجتماع الذي جمع أهم قيادات عملية الكرامة في بنغازي (العقيد مهدي البرغثي آمر كتيبة 204دبابات والعقيد جمال الزهاوي آمر الكتيبة 21او كتيبة شهداء الزاوية كما تسمى والعميد ونيس بوخمادة آمر كتيبة الصاعقة وبعض القادة الآخرين ) واتفق هؤلاء القادة على إعلان الخروج عن قيادة حفتر حيث لن يبق معه إلا عبد السلام الحاسي آمر عملية الكرامة في بنغازي والذي له أطماع في وزارة الدفاع وهو مقترح من أطراف محسوبة على حفتر وأولهم علي القطراني ممثل المنطقة الشرقية في المجلس الرئاسي.و يعمل البرلمان في طبرق على إطالة المشاورات حول منح الثقة للحكومة فمن جهة هو يخشى بطش حفتر ولا يستطيع تجاوزه ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغط الأمم المتحدة التي تطالبه بضرورة منح الثقة للحكومة حتى تسرع بإدخالها إلى العاصمة طرابلس وهو ينتظر مصير الخلافات القائمة بين قادة الكرامة ومواقف القبائل ليجد الدعم الذي يمكنه من اتخاذ الموقف المناسب من الحكومة سواء بمنح الثقة أو بحجبها .إن البرلمان اليوم يلعب لعبة المناورة مع الأمم المتحدة فهو “مع ولكن” هذا الإستدراك يمكنه من تخفيف الضغط عليه ومن هامش من الوقت يسمح له بمتابعة التطورات سواء في المنطقة الشرقية حيث عملية الكرامة والمستجدات فيها أو في مواقف المؤتمر الوطني العام والحكومة في طرابلس والقوى التي تدعمها.إن البرلمان يدرك أن رفضه منح الثقة للحكومة سيكلفه غاليا وأنه سيتحول إلى جسم خارج الشرعية الدولية وبالتالي سيفقد كل الإمتيازات التي منحته إياها اتفاقية الصخيرات .كما يدرك أن منح الثقة للحكومة وإخراج حفتر من المشهد سيجعل إمكانية انعقاده في طبرق أمرا مستحيلا في ظل قوى عسكرية تابعة للكرامة وسيجلب له غضب الداعم الرئيسي له وهو النظام القائم في مصر والذي يملك ملفات عديدة ضد أغلب النواب. في ظل هذا الواقع المعقد يظل البرلمان يمارس أقصى ما يمكن من المناورة والمراوغة عل مستجد حاسم على الساحة يغير المعطيات ليتم منح الثقة في الأخير للحكومة . وهذا المستجد ليس سوى إزاحة حفتر من الساحة من قادة الكرامة أنفسهم والذين يؤيدون المهدي البرغثي لمنصب وزير الدفاع. وهناك أمر مهم لابد من الإشارة اليه وهو لماذا تم الاختيار على العقيد المهدي البرغثي لوزارة الدفاع؟العقيد المهدي البرغثي هو من ثوار فبرايرالذين شاركوا في حرب التحرير . ومع انطلاق عملية الكرامة بقي على الحياد لا مع حفتر ولا مع مجلس شورى الثوار .ولكن بعد مرور وقت قصير على بداية العملية أعلن انضمامه لها معتقدا أن حفتر سيحسم المعركة لصالحه في وقت وجيز معتمدا على الدعم العسكري المصري وعلى ولاء القبائل له. كما أن للمهدي البرغثي دور في القبض على” محمد أبو ختالة “المتهم في المشاركة في اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي. فيوم عملية القبض على المتهم من الكوموندوس الأمريكي الذي دخل بنغازي من البحر أعلن المهدي البرغثي يومئذ عن حضر التجول في المدينة ونشر فيها الدبابات مما سهل للكومندوس عملية الإختطاف.وربما هو يكافأ اليوم بوزارة الدفاع لدوره في العملية .ولكن أيضا هناك معطيات أخرى تجعله مرشحا بارزا . المعلوم أن المهدي البرغثي على خلاف شديد مع حفتر داخل معسكر الكرامة وهو أيضا من قبيلة العواقير وهي من أقوى القبائل في الشرق وأكثر قبيلة دفعت بأبنائها في عملية الكرامة وبذلك تمنح الوزارة لطرف قوي مسنود عسكريا وقبليا في ظل إبعاد حفتر. وكذلك فإن البرغثي غير مرفوض بشكل مطلق في الغرب خصوصا بعد اتصاله بمجلس شورى ثوار بنغازي وطلبه الصلح معهم لإيقاف القتال في المدينة . وهذا من الأسباب الرئيسية في خلافه مع حفتر.
أما الأمور في طرابلس فهي لا تقل سوءا عما يجري في الشرق . فقوى الثورة من عسكريين وبرلمانيين وأعضاء حكومة هم ضد الحكومة المقترحة من الأمم المتحدة ويرفضون دخولها لمدينة طرابلس ودعم موقفهم هذا الحشود الشعبية الكبيرة التي ملأت ميادين طرابلس والمدن الموالية للثورة في الذكرى الخامسة لها والتي فاقت الأعداد التي واكبتها في الذكرى الفارطة بعد أن راهنت قوى الثورة المضادة وأطراف دولية على أن الناس قد كفرت بالثورة وأن الجماهير لن تخرج للإحتفال بالذكرى . هذا الموقف الخطي الحاسم من حكومة الوصاية كما يسمونها سيؤلب عليهم القوى الدولية التي تريد فرض أمر واقع في ليبيا وقد تدفع طرابلس وقوى الثورة ثمنا غاليا نتيجة موقفها الذي غابت عنه الدبلوماسية والمناورة السياسية الضرورية في مثل هذه الأزمات. إن المؤتمر والحكومة في طرابلس والقوى العسكرية الموالية لها تراهن على عمقها الشعبي الرافض لهذه الحكومة وأنها ستجد المساندة الشعبية الكافية التي ستحرج العالم وتجعله يعيد حساباته من جديد. ولعل القرار الذي أعلن عنه السيد خليفة الغويل رئيس الحكومة يوم 17فيفري ذكرى الثورة وأثناء الإحتفالية في ميدان الشهداء في طرابلس أمام الجماهير الغفيرة الحاضرة والتي فاجأت الحكومة نفسها والمتمثل في الأمر الذي وجهه للسيد عبد السلام جادالله العبيدي رئيس الأركان العامة بضرورة تجهيز قوة كبيرة والتوجه بها إلى سرت لتحريرها من تنظيم الدولة. وهذا الموقف جاء في وقته لسحب البساط من تحت من يدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا ولتثبت حكومة طرابلس أمام العالم أنها من تملك القوة القادرة على ضرب هذا التنظيم ولتدفع عنها كل التهم من القوى المناوئة لها سواء في الداخل أو في الخارج وعلى مستوى الأمم المتحدة فإنها تجد نفسها أمام إشكالات كبيرة ومنها ما تضمنه اتفاق الصخيرات التي تعتبره اتفاق نهائي غير قابل للتعديل. الإشكال الأول أن الحكومة لن تكتسب الشرعية إلا بعد إقرارها من البرلمان المنعقد في طبرق . وهذا يجعلها أمام صعوبات كبيرة في إقناع البرلمان بمنح الثقة للحكومة بالنظر للصعوبات التي يلقاها هذا الجسم التشريعي في إدارة الأزمة والتي تحدثنا عنها فيما سبق .والإشكال الثاني أن السيد السراج شخصية لا تحظى بالقبول سواء في الشرق أو في الغرب وهذا ما يصعب مهمة هذه الحكومة ومهمة الأمم المتحدة ذاتها في إقناع الشارع الليبي بها ناهيك عن القوى الرافضة لها والتي تمثل ثقلا كبيرا في ليبيا . والإشكال الثالث أنها حكومة محاصصة جهوية وسياسية وليست حكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب والجهات رغم أنها حكومة مصغرة من ثلاثة عشر وزيرا بحقيبة وخمسة وزراء دولة.الإشكال الرابع أنها في حاجة إلى ذراع عسكري وأمني في العاصمة يمكنها من الاستقرار والعمل . وهذا غير ممكن في ظل وجود قوى عسكرية قوية ترفض دخولها للعاصمة . وحتى الكتائب التي رحبت بالاتفاق ورحبت بالعمل تحت إمرتها لن تقبل برفع السلاح في وجه رفقاء الأمس لأن ذلك مرفوض من المبدإ وسيؤدي إلى حرب شعواء بين أبناء البلد الواحد وهذا أمر يرفضه حتى أعضاء الحكومة ذاتها. والأمم المتحدة والقوى الكبرى لن تقبل بتوفير حماية دولية لهذه الحكومة لانه أمر لا يستقيم وغير واقعي.وهناك عديد الإشكالات الأخرى التي يطول الخوض فيها. أمام هذا المشهد المعقد تعمل الأمم المتحدة ومن ورائها القوى الكبرى على إقناع الأطراف الليبية بضرورة الإنخراط في الحل الأممي وتدفع لها بالعصا والجزرة مرة بالوعود بدعم دولي غير مسبوق لهذه الحكومة ومرة بإنذارها بالعواقب الوخيمة إن هي رفضت هذا الحل . والأمم المتحدة تدرك جيدا أنها غير قادرة على فرض حكومة على الليبيين بالقوة لأن ليس من مصلحة القوى الكبرى أن تتدخل عسكريا لتنصيب كرزاي جديد في ليبيا ذلك أن الكلفة ستكون باهضة جدا وقيام حرب شاملة في البلاد لن تتضرر منها دول الجوار فقط بل دول مهمة في أوروبا وعلى رأسها إيطاليا التي تستنير مدنها بالغاز القادم من ليبيا . كما أن الغاية الأساسية للقوى الكبرى في وجود حكومة توافق وطني في ليبيا هو التمهيد لإمضاء عقود الإعمار وعقود النفط .وفي المحصلة فإن تدخل دولي على الأرض في ليبيا أمر غير واقعي وغير ممكن بحسابات السياسة والمصالح . وقد تجد الأمم المتحدة نفسها في قادم الأيام مضطرة إما لتغيير هذا الفريق الحكومي وإما العمل على خطة شاملة لاستعادة الثقة بين الفرقاء الليبيين والضغط على الأطراف الإقليمية التي تساهم بشكل كبير في إطالة الأزمة في البلاد عبر التدخل السافر في الشأن الليبي من خلال دعمها لطرف على حساب الآخر. كما ستواصل القوى الكبرى ضغطها الإقتصادي على مؤسسة البنك المركزي وعلى إطالة الأزمة الاقتصادية وعلى تعطيل تصدير النفط كوسيلة ضغط على الداخل الليبي العنيد والرافض للإنصياع للقرارات والحلول الأممية. إن العقلية الليبية عقلية عنيدة جدا وليس من السهل إقناعها بحلول قادمة من الخارج . وهذا أمر تدركه الأمم المتحدة التي لم تتعامل بواقعية مع الملف الليبي وإنما غلبت المصالح الأجنبية على مصلحة ليبيا وأداء برنادينو ليون مهندس اتفاق الصخيرات كان أداء كارثيا في جزء مهم منه . ولم تتورط ليبيا فقط في هذا الاتفاق وإنما الأمم المتحدة أيضا وجدت نفسها متورطة في نهاية المطاف.
خاتمة:
إنه ليس من السهل أن تقنع شعبا قام بثورة دفع فيها آلاف الشهداء بحل غير متوازن مهما امتلكت من أدوات القوة . وما سلط على الثورة الليبية من مؤامرات طيلة السنوات الفارطة لم يفل في عضدها والإحتفالات الأخيرة بذكرى الثورة خير دليل . فهل من متعظ؟ إن الحل في ليبيا يجب أن يكون حلا سياسيا فهو أفضل من أي حلّ عسكري .وهذا ما يجب أن يدركه الليبيون ولكن على أية ارضية وبأي سبيل . إن التنازل من أجل الوطن هو رفعة وسمو. ولكن التنازل لا يجب أن يكون على حساب قيم الثورة . وهنا يكمن الخلاف.
المصدر: مركز الدّراسات الاستراتيجيّة والديبلوماسية