دراساتليبيا

مخاطر التقسيم والصوملة : المسارات المحتملة للصراع في ليبيا

 

د.أيمن شبانة:

اتسمت الثورة الليبية بخصائص متفردة بين ثورات الربيع العربي، خاصةً أنها شهدت صدامًا مسلحًا بين القوات الموالية للقذافي والمعارضة السياسية والمسلحة، وسرعان ما تحول هذا الصدام إلى حرب أهلية، استدعت تدخل قوات الناتو لإسقاط حكم القذافي.

لذا كانت تحديات إعادة البناء بالغة التعقيد في ليبيا، مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى؛ إذ كان يتعين على القوى السياسية البدء من نقطة الصفر، ببناء دولة جديدة، وليس مجرد بناء مؤسسات أو نظام سياسي بديل لنظام القذافي، إذ ورث الشعب الليبي عن عهد القذافي نظامًا سياسيًّا يوتوبيًّا، يُعاني من ضعف مؤسسي شديد، وتردٍّ في حالة الأجهزة الأمنية، وغياب للجيش الذي كان أقرب إلى ميليشيات قبلية موالية للقذافي شخصيًّا.

وترك هذا الأمر أثرًا سلبيًّا على المرحلة الانتقالية التالية لسقوط ذلك النظام العتيق الذي حكم ليبيا أكثر من أربعين عامًا. وتجلى ذلك في بروز كثير من القوى الثورية التي تنسب لنفسها دور البطولة في الإطاحة بالقذافي، والتي تتصارع على مقدرات الدولة أكثر مما تطرح رؤى لإعادة البناء.

فالليبيون لم يجمع بينهم أكثر من العداء لنظام القذافي، والرغبة المحمومة في إسقاطه. ومن ثمّ كان التوافق بينهم صعب المنال، في ظل تباين انتماءاتهم القبلية، وتنوع أيديولوجياتهم الفكرية وتحالفاتهم السياسية وروابطهم الخارجية. فبدا معظمهم كالأكلة التي تتداعى إلى قصعتها، بحثًا عن مصالح ضيقة، دونما اكتراث بالشعب الذي كُتبت عليه الحيرة من جراء تشرذم الثوار الجدد.

كما شهدت البلاد ممارسات عديدة تفوح منها رائحة الانتقام المقيتة ضد عناصر نظام القذافي والقبائل والمدن الموالية له، في سرت وبني وليد وسبها وغيرها.

وانقسمت النخبة بين حكومَتَيْن وبرلمانَيْن، يتمتع كلٌّ منهما بظهير شعبي وقوات مسلحة موالية. وتحولت الدولة إلى مرتع للعشرات من القوى السياسية والمسلحة من داخل وخارج ليبيا، وميدانًا لمخططات أجهزة استخباراتية عديدة إقليمية ودولية.

في هذا الإطار، تحولت ليبيا إلى بؤرة ملتهبة لصراع دامٍ، على خلفيات متعددة، منها: الخلاف على شكل الدولة (موحدة – فيدرالية)، والخلاف بشأن الهوية الوطنية (علمانية – إسلامية)، والخلاف بين القيم التقليدية والحديثة (القبيلة – المؤسسات). كما أصبحت ليبيا خطرًا داهمًا على الاستقرار الإقليمي الذي يطال بتداعياته السلبية كل دول الجوار الجغرافي المباشر، وربما يتجاوزها إلى ما هو أبعد من ذلك.

وقد تعددت جهودُ تسوية هذا الصراع، سواء في إطار مجموعة دول جوار ليبيا، أو من خلال الأمم المتحدة، التي شكلت بعثة للدعم في ليبيا عام 2011، وعينت مبعوثًا خاصًّا بها للتواصل مع أطراف الصراع، أو في إطار الحوار الوطني المباشر، تحت الرعاية الإقليمية والدولية. بيد أن تلك الجهود لم تثمر حتى الآن عن الوصول إلى قواعد للتوافق يمكن البناء عليها لضمان استقرار الأوضاع في ليبيا، وباتت الأوضاعُ مرشحة للتفاقم، بعدما تضاءلت فرص الوصول إلى تسوية سلمية.

ساهم ذلك في تصاعد احتمالات تقسيم ليبيا بين عدد من الأقاليم، بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على ثورة السابع عشر من فبراير2011، وذلك تحت دعاوى الفيدرالية، وكذا تصاعد احتمال الانزلاق إلى حرب أهلية معقدة وطويلة الأمد، بما يكرس وضعية الدولة الفاشلة في ليبيا، على نحو ما حدث في الصومال، بشكل يقترب من الاستنساخ؛ حيث انهارت السلطة المركزية في الصومال منذ عام 1991، وظلت تعاني الصراعات الأهلية، وتتخبط بين تدخلات خارجية إقليمية ودولية، وحكومات انتقالية متعاقبة، حتى جاء نظام حسن شيخ محمود في سبتمبر 2012، الذي يُعد أول نظام غير انتقالي في الصومال منذ ما يزيد عن واحد وعشرين عامًا. وبالرغم من ذلك لم تنعم الصومال حتى الآن بالاستقرار السياسي والأمني المنشود.

وعلى ذلك؛ تسعى هذه الورقة إلى بحث ثلاث نقاط: أولها السيناريوهات التي يحتمل أن تئول إليها الأوضاع في ليبيا. وثانيها بيان إمكانية تكرار التجربة الصومالية في ليبيا، بالقياس إلى أوجه التشابه أو الاختلاف بين الحالتين، والثالث هو تناول أثر استنساخ تجربة الصراع الصومالي الممتد في ليبيا على الأوضاع في ليبيا بصفة خاصة والإقليم بوجه عام.

المصدر: “المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية القاهرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق