
بوابة الوسط
اذا نجح الحوار السياسي الليبي بالتوقيع عليه في الصخيرات بعد مخاض عسير، فسيكون لرئيس لجنة الحوار بمجلس النواب امحمد علي شعيب البشتي فضل كبير في إنجاح هذا الحوار.
وليست هذه المرة الأولى التي يخوض فيها شعيب البشتي مفاوضات مرهقة، فقد كان ورفاقه الأبشات يفاوضون خلال سنوات سجنه الطويلة التي امتدت على مدى خمسة عشر عاماً، السجناء الآخرين ليتوافقوا على مطالب بإصلاح الأوضاع داخل السجن يتقدمون بها إلى إدارة السجن.
وكان عليهم، ليصلوا إلى هذا التوافق، مفاوضة حزب التحرير الإسلامي والإخوان المسلمين والعسكريين والأمازيغ وغيرهم من الشرائح، التي يكفر بعضهم هؤلاء اليساريين.
وُلد شعيب البشتي في مدينة الزاوية العام 1950 من عائلة الأبشات المعروفة بتاريخها العلمي والسياسي، فجده محمد شعيب البشتي مؤسس زاوية الأبشات المعروفة بدورها العلمي في ليبيا والمنطقة العربية، بينما عمل والده في التجارة، ودرس شعيب المرحلة الابتدائية بمدرسة الزاوية المركزية، ودرس الإعدادي والثانوي في مدرسة الزاوية الثانوية، قبل أن يلتحق بكلية الحقوق بجامعة بنغازي.
في أبريل العام 1973 اُعتقل شعيب مع رفاقه الأبشات بعد الخطاب الذي ألقاه القذافي في مدينة زوارة، وأعلن خلاله قيام الثورة الثقافية وأمر فيه باعتقال كل مَن يقف في وجه انقلابه العسكري، وكانت التهمة الموجهة إلى مجموعة الأبشات هي إقامة تنظيم سري لقلب نظام الحكم، إلا أن غرفة الاتهام حكمت سنة 1974 بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى وأمرت بالإفراج عنهم.
لكن السلطات اعتقلتهم من جديد في اليوم نفسه، وفي العام 1976 حكمت محكمة الشعب على شعيب بالسجن لمدة أربع سنوات، لكن القذافي استبدل الحكم بحكم آخر يقضي بالسجن المؤبد على مجموعة الأبشات، وفي يوم 3 مارس العام 1988 أُفرج عن مجموعة كبيرة من السجناء السياسيين من بينهم مجموعة الأبشات.
لم يستطع شعيب بسبب القضية المحكوم فيها باستكمال السنة الأخيرة من دراسته بكلية الحقوق، فعمل موظفاً بمصفاة الزاوية لتكرير النفط، كما عمل بالقطاع الخاص قبل أن يتاح له استكمال دراسته ليفتتح، بعد حصوله على ليسانس الحقوق، مكتبات للاستشارات القانونية حتى قيام ثورة فبراير، حيث ساهم في الصمود البطولي لمدينة الزاوية الذي استمر لمدة 22 يوماً.
وبعد سقوط الزاوية لجأ مع عائلته إلى تونس، حيث شارك مع بعض المحامين والنشطاء السياسيين في تأسيس إطار تنظيمي لدعم الثوار في الداخل، كما ساهم في جهود الإغاثة ورعاية النازحين والاتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي في بنغازي، وبعد التحرير عاد إلى مدينة الزاوية ليشارك في المحاضرات والندوات التوعوية، بالإضافة إلى مشاركته مع غيره من النشطاء السياسيين في محاولات لإقامة كيان سياسي موحد للقوى الوطنية والديمقراطية، تلك المحاولات التي لم يكتب لها النجاح حتى الآن.
وكان شعيب قد وصل إلى قمة نضجه الثقافي والسياسي بعد أن تخلى وهو في السجن عن معتقداته اليسارية المغلقة واتجه نحو الديمقراطية الليبرالية المتعددة. وفي حكومة علي زيدان عيِّن وكيلاً لوزارة العدل مع الوزير صلاح المرغني، وفي انتخابات مجلس النواب حظي بدعم واسع من شباب الزاوية ومن التيار المدني بوجه عام.
كما حظي بدعاية حرفية جيدة من شباب الإعلاميين في المدينة، الذين نظموا مناظرات بين المرشحين في إذاعة الزاوية المحلية، التي وجد شعيب الفرصة للتعبير عن ثقافته الرفيعة ومواقفه المعتدلة والمرنة التي عرف بها خلال سنوات سجنه.
وهكذا فاز بكل سهولة نائباً عن الزاوية بمجلس النواب في انتخابات 7 يوليو 2014، وفي أول جلسة للمجلس في طبرق اُنتُخب بالإجماع نائباً أول لرئيس المجلس، إلا أنه بدأ في دفع ثمن مواقفه الوطنية في مدينته الزاوية، عندما قصفت مجموعة مسلحة إسلامية بقيادة شعبان هدية المعروف بـ«أبو عبيدة» بيته بقذيفة «آر بي جي»، ثم أحرق بيته بالكامل بعد أن استولى تيار «فجر ليبيا» على معظم المنطقة الغربية، وأصبحت مدينة الزاوية تحت رحمة أبو عبيدة العائد من أفغانستان.
وعندما أصبح رئيساً للجنة الحوار عن مجلس النواب، تعرض شعيب للتهديد، ولكن هذه المرة من بعض زملائه في المجلس، حتى إنه لم يستطع الذهاب إلى طبرق بعد صدور النسخة الأخيرة من الاتفاق السياسي في الصخيرات، إذ تلقى تهديدات من معارضين لهذا الاتفاق.
وحتى الآن لا تزال عائلته تعيش في مصر هرباً من التهديدات في مسقط رأسه بمدينة الزاوية وفي مقر عمله بمدينة طبرق، ولكن بعد الدعم الدولي الذي حظي به الاتفاق السياسي في اجتماع روما يوم الأحد الماضي، ستكون سنوات شعيب التي أمضاها في سجون القذافي، والمتاعب التي عاناها وأسرته أحياناً من «الإسلاميين المتشددين» وأحياناً من «الجهويين» الذين يهددون بتقسيم البلاد لم تذهب هدراً، وإنما هي طريق الأشواك التي يعبرها المخلصون إلى أوطانهم وشعوبهم ليصلوا بهم إلى بر الأمان.