تحاليل

انعكاسات الانتخابات التركية الأخيرة على المنطقة المغاربية

 

علي عبد اللطيف اللافي

من المعروف أن المنطقة المغاربية تعيش تطورات دراماتيكية نتاج المتغيرات الإقليمية والدولية المُتسارعة، خاصة منذ التتويج الأولي للثورة التونسية في جانفي 2011، وبالتالي أصبح من المعلوم أن كُل تطور إقليمي أو دولي له انعكساته وترتباته المتعددة والسريعة، بل والدراماتيكية أيضا على جميع الدول المغاربية وإن بنسب مُتفاوتة، فما هي الآثار المترتبة على النتائج المُعلنة الأحد الماضي في تركيا في قراءة أولى، وخاصة على المنطقة المغاربية تحديدا؟

النتائج..وآثارها المتسارعة

انتهت الانتخابات التُركية، وهي انتخابات مُبكرة بعد تعذر تشكيلة حكومة ائتلافية بناء على نتائج انتخابات سابقة، بإحراز حزب العدالة والتنمية على فوز ساحق، بل وكاسح بلا مُنازع، فقد صوت واحد من كل شخصين في تركيا للعدالة والتنمية، حيث حصد نحو 50٪ من الأصوات، كما أحرز تقدمًا واضحا وملحوظًا مقارنة بانتخابات بداية جوان الماضي، بينما تراجعت عمليا كل الأحزاب الأخرى.

وقد تمخَّضت عن انتخابات الأحد الماضي النتائج التالية:

+ حزب العدالة والتنمية: 49.47 % من الأصوات و317 مقعدًا برلمانيًا.

+ حزب الشعب الجمهوري: 25.30 % من الأصوات و134 مقعدًا برلمانيًا.

+ حزب الحركة القومية: 11.90 % من الأصوات و40 مقعدًا برلمانيًا

+ حزب الشعوب الديمقراطي: 10.75 من الأصوات و59 مقعدًا برلمانيًا.

واللافت للنظر هو الرقم القياسي غير المعهُود لنسبة المشاركة الشعبية، وهو رقم قياسي جديد في تاريخ الانتخابات التركية، ومن الواضح أن الناخبين الأتراك قد سارعوا وهرعوا إلى صناديق الاقتراع باكرا صبيحة يوم الاقتراع، وفاقت نسبة المشاركة 85 %. ويُمكن الجزم والاستنتاج أن حزب العدالة والتنمية قد تمكن من استرداد الأصوات الانتخابية التي خسرها في انتخابات 7 جوان الماضي مع زيادة عليها، وهو ما أدى إلى تغيُّر التوازنات السياسية في تركيا بشكل قوي ومفاجئ.

ومع بدء الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات يوم الأحد الماضي، بدأت تركيا تتنفس الصعداء، بالتزامن مع تبدد أجواء الكآبة التي خيمت على المواطنين بسبب العمليات الإرهابية والفوضى التي خيمت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، وارتفعت معنويات المواطنين الذين ضاقوا ذرعًا من حالة الانسداد السياسي التي وصلت إليها البلاد.

رسائل وتأثيرات

وجه رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء التركي «أحمد داود أوغلو» خلال الكلمات التي ألقاها ليلة الانتخابات، رسائل تحض على إعلاء قيم التواضع والحس السليم، مُحتضنًا ومُطمئنًا جميع شرائح الناخبين التي لم تصوت لحزبه، وهو ما أدّى إلى بعث أجواء من الراحة في الشارع التركي، وفي نفس الوقت تمكن “أوغلو” خلال هذه الانتخابات من الحصول على أعلى عدد من الأصوات الانتخابية بعد أردوغان، وهو ما يعني حصوله العملي على دعم قوي من الناخب التركي، ويعني أنه سيصبح محور الحياة السياسية، خاصة أنه يعتبر مُنظر الحزب، وهو ما يعني أيضا وجود مُعادلات سياسية جديدة في الحياة السياسية التركية خلال الأشهر والسنوات القادمة، كما أن الأصوات الأكثر أهمية في الانتخابات والرسائل التي حملتها هي نفسها الأصوات الانتخابية التي لعبت دورًا مفصليًا خلال انتخابات يونيو الماضي، حيث لعب المواطنون الأتراك والأكراد الذين يولون أهمية لهويتهم الإثنية دورًا مهمًا في تحديد مصيرها، إذ تمكن العدالة والتنمية من استعادة الأصوات الانتخابية التي خسرها لمصلحة حزبي “الشُعوب الديمقراطي” و«الحركة القومية» (الذي التحق عدد من كوادره بالعدالة والتنمية نتاج تقييمات واقع تركيا السياسي)، ولعبت تلك الأصوات دورًا مهمًا في فوزه.

لقد حملت نتائج الانتخابات هذه أيضًا رسائل مهمة للأطراف التي تآمرت تركيا، فقد عبر المواطنون الأتراك والأكراد عن مدى تعاضدهم من خلال اتحادهم تحت سقف العدالة والتنمية، فكان هذا العامل من أهم النتائج التي أفرزتها هذه الانتخابات، وفي سياق ثان أظهر المواطنون الأكراد من خلال تصويتهم لمصلحة العدالة والتنمية ردة فعل قوية ورسالة واضحة ضد منظمة «بي كا كا» الإرهابية وامتدادها السياسي في البلاد المتمثل بحزب «الشعوب الديمقراطي»، في الوقت الذي عاقب فيه الشعب التركي الحزبين القوميين (الحركة القومية التركية والشعوب الديمقراطي) اللذين يتغذيان من العنف، ويستغلان الأعمال الإرهابية التي تطال القرى والمدن وحتى العاصمة التركية، وأحجم عن التصويت لهما .

كما وجه الناخب التركي رسائل بليغة للغرب، فعمليا شنت أغلب وسائل الإعلام الغربية تقريبًا، خلال فترة العملية الانتخابية حملة شعواء ضد حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية «رجب طيب أردوغان»، ودعت بكل صراحة وجرأة إلى عدم التصويت لحزب العدالة والتنمية، إلا أن المواطنين الأتراك عبروا عن إرادتهم بكل وضوح، ووقفوا في وجه الضغوط والهجمات الإرهابية التي أتت من خارج الحدود، لقد أدرك المواطنون حجم المخاطر الخارجية التي تهدد أمن وسلامة تركيا وكل المنطقة، والتفوا حول رئيس الجمهورية وحزب العدالة والتنمية.

الانتخابات التركية والمنطقة المغاربية لا يختلف اثنان في أن نتائج الانتخابات التركية ستؤثر بشكل مباشر وآلي على السياسات العامة الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وستعزز تلك النتائج مرة أخرى أطروحة “أردوغان – داود أوغلو”، الخاصة بسياسات تركيا الخارجية حيال كل من سوريا وفلسطين ومصر على وجه الخصوص، التي سبق أن سطرها أوغلو في كتابه المعروف “في العمق الاستراتجي”، كما ستتأثر وتتفاعل السياسات الغربية مع النتائج المعلنة باعتبارها نتائج شفافة وديمقراطية واستثنائية في البلاد العربية والإسلامية، ونتاج نسبة المشاركة الاستثنائية بكل المقاييس…

أما ترتبات الانتخابات التركية ونتائجها على المنطق المغاربية، فهي تحديدا:

+ التأثر المستقبلي للناخب المغاربي في كل المناسبات، وتخلصه من تأثيرات وسائل الإعلام المحلية الموجهة التي قدمت له قراءات خاطئة للأحداث والتطورات، بعد أن شوهت له السياسة والسياسيين ورذلت له ثورات الربيع العربي في جولتها الأولى، كما قدمت له الإسلاميين بصُور مُشوهة وتشويهية، وشككته في أطروحاتهم قبل أن يطلع عليها بغض النظر عن موقف أي كان منها، وسيغير الناخب المغاربي المتردد رؤيته؛ بناء على نتائج الانتخابات المحلية والجهوية في المغرب، ونتاج فوز العدالة والتنمية التركي غير المسبوق رغم كل حملات التشهير الغربية وبعض الأطراف العربية والإسلامية أيضا..

+ السقوط النهائي لمنطق التخويف بالإرهاب لإجبار الناخبين نحو هذا الخيار أو ذلك، والسماح للأطروحات الفكرية والبرامج للتنافس بحرية.

+ ستضطر النخب الحداثية والعلمانية في المنطقة المغاربية إلى تغيير قراءاتها للتطورات الإقليمية والدولية بعد أن سارعت بعض أطرافها إلى الدعم غير المحدود للانقلاب في مصر وإلى التغاضي عن قراءة موضوعية لما يحدث في سوريا، خاصة أن بعض النخب تهجمت على التجربة التركية وسقطت في تحميل أردوغان وحزبه ما حدث من أعمال إرهابية، بينما هي استهدفت تركيا أولا وإنجازات الرجل وحزبه ثانيا، وستضطرها النتائج المُعلنة إلى مراجعة حساباتها في ظل أبعاد النتائج وتفاصيلها…

+ عودة مطالب السيادة الوطنية والتعويل على الذات صناعيا وسياسيا وثقافيا، فتركيا استطاعت بعد عشر سنوات أن تتحول إلى دولة قوية في شتى المجالات بعد أن استطاع تلامذة “أربكان”، تغيير سياساتهم وعلاقاتهم بالمواطن التركي، وبعد أن كانوا واقعيين ولم ينتبهوا إلى محاولات التشويه والإرباك والمحاصرة، ونجحوا في أن يقنعوا الأتراك بأنهم صمام أمان حاضر تركيا ومستقبلها عبر سياسات تركية خالصة وعبر تقوية الخطوط التركية وتعصيرها مثلها مثل كل الشركات والمرافق التركية الكبرى، وبالتالي اقتنع الناخب التركي ولم يتردد في المشاركة في التصويت والتصويت للعدالة والتنمية، ولهذا العامل ترتبات مهمة لو استوعبه العقل السياسي للأحزاب في المنطقة المغاربية…

+ ستكون كل الدول المغاربية مستقبلا مضطرة إلى دعم مساراتها الديمقراطية وتقوية نسب المشاركة ومحاصرة النفس الاستئصالي في كل الاتجاهات، والاستفادة من التجربة التركية في كل الاتجاهات والمسارات وفقا للخصوصيات الوطنية لكل بلد مغاربي، فيُنمّى الطموح في بناء “دولة الشعب” بعد أن كرست بعض الأنظمة منطق “شعب الدولة”.

+ إمكانية عودة الحديث عن تكلفة “اللامغرب” إذا ما قورنت اقتصاديات الدول المغاربية باقتصاد تركيا ونتاج نفس الخصوصيات الحضارية والسياسية والاجتماعية، كما أنه من الموارد أن تتلاحق تجارب التعاون التركي المغاربي على أكثر من صعيد، خاصة أن النخب والشعوب المغاربية متخلصة من العامل التاريخي الذي يكبل عرب المشرق من خلفية رؤيتهم للحكم العثماني …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق