
بقلم القاضي احمد الرحموني
رغم أني متعود على شدة الضغوطات وقسوة التهديدات منذ اقتحامي – قبل الثورة وفي ظروف مختلفة – العمل العمومي المتصل بالدفاع على استقلال القضاء إلا أني شعرت في اليوم الموافق لعيد الجلاء ببعض المنغصات التي بدأت من الواحدة بعد الزوال مع برنامج ميدي شو بإذاعة “موزاييك” وانتهت في منتصف الليل من نفس اليوم مع برنامج اليوم الثامن بقناة “الحوار التونسي”.
وربما يذكر الاصدقاء و المتابعون اني شاركت منذ أسبوع في برنامج “اليوم الثامن” وكان من ضمن المحاور المعروضة للتعليق موضوع القضاء و ملفات الارهاب والهجمة الموجهة ضد القضاة على خلفية ذلك. وقد أتيح المجال وقتها لتفسير الدواعي الحقيقية وراء استهداف القضاة- سواء من قبل جهات امنية او هيئات دفاع في ملفات قضائية – وبرز التأكيد على أن الأسباب الرئيسية تكمن في التغطية على ممارسات التعذيب التي تمت معاينتها في بعض الملفات الهامة ومن بينها القضية الارهابية المتعلقة بالهجوم على متحف باردو .
وقد كان ثابتا لدي – وكذلك لدى عدد من الجهات الأمنية و القضائية وحتى بعض مكونات المجتمع المدني – ان فرقة أمنية بعينها قد مارست التعذيب على جملة من المتهمين في تلك القضية تمت إدانتهم بالاسم والصورة في ندوة صحفية عقدها وزير الداخلية بعد اقل من عشرة أيام من هجوم باردو وقبل أن يتم الإفراج عنهم ومعاينة اثار التعذيب المسلطة عليهم من قبل قاضي التحقيق بالمكتب عدد13 بالمحكمة الابتدائية بتونس الذي وجه في ذلك مكتوبا موثقا إلى وكيل الجمهورية علم بفحواه الوزراء المعنيون.
وربما تكون المصادفة هي التي جعلت قاضي التحقيق المذكور – المتعهد اصلا بملف الشهيد شكري بلعيد – يبحث في قضية متحف باردو إضافة الى القضية الارهابية المتعلقة بالهجوم على احد النزل بالقنطاوي بسوسة لكن المصادفة لا يمكن ان تفسران بعض النقابات الامنية وبعض الأمنيين – المتقاعدين او الناشطين – وهيئة الدفاع في ملف شكري بلعيد(اساسا المحاميان بسمة الخلفاوي وعلي كلثوم ) وبعض الاطراف المرتبطة بهم قد اجتمعوا –على نسق واحد –” ليسلخوا ” – وعذرا عن الاستعارة – قاضي التحقيق بالمكتب عدد13 مثلما سلخ اعوان الفرقة الامنية اجساد المتهمين في قضية الهجوم على متحف باردو .
كما ان الصدفة لا يمكن ان تبرر – على امتداد اسبوع – انتقال الهجمة من قاضي التحقيق الى شخص احمد الرحموني على ايدي بعض العناصر الامنية التي انزلقت – كالعادة – في نفي الحقائق و التجريح في الاشخاص في اطار “جوقة” منسقة تستهدف اما فرض وجهة نظر وزارة الداخلية واما الضغط في اتجاه وجهة معينة في ملفات الاغتيالات السياسية (واساسا ملف الشهيد شكري بلعيد ).
وحتى لا انسى ما بدات به فان بعض المنغصات التي طرات في يوم عيد الجلاء قد كان مردها ان برامج ثلاثة في نفس اليوم – ويا للصدفة – قد خصصت- بصفة متفاوتة – جزءا من مادتها الاعلامية للتعليق على “مروري” منذ اسبوع ببرنامج “اليوم الثامن “وقد تكفلت الاستاذة بسمة الخلفاوي التي نزلت ضيفة على الاعلاميين السيد بوبكر عكاشة (ميدي شو)و السيدة مريم بلقاضي(تونس-24/7)بالرد على ما وصف” بالاتهامات الموجهة من القاضي احمد الرحموني”ضد هيئة الدفاع في ملف شكري بلعيد رغم ان تصريحاتي في البرنامج المذكور لم تكن موجهة بالاساس الي ملف الشهيد شكري بلعيد ولم تتضمن أي نوع من الاتهامات باعتبار ان المحاميين اللذين ظهرا بالندوة الصحفية لهيئة الدفاع يصران في كل مرة على تعمد استهداف قاضي التحقيق المتعهد بالقضية وانهما – على الاقل بالنسبة للسيدة بسمة الخلفاوي – يدركان ان وصفه”بالكاذب و المراوغ والمماطل و المجرم …الخ”ليس من باب التجريح و ان ذلك لا يمس من شخصه ويبقى في كل حال سلوكا مشروعا وهو ما حاولت بصفة عرضية التنديد به دون أي خوض في اصل الملف القضائي
ومن الملاحظ ان تقريرا خاصا قد اعد للبرنامج التلفزي( تونس-24/7)تضمن التصريح باسم قاضي التحقيق واستعادة نفس المعلومات الواردة بالندوة الصحفية التي عقدت في وقت سابق من قبل هيئة الدفاع .لكن ربما ادرك الكثير ان اعادة الحديث في ملف الاغتيال – على خلفية التصريحات الصادرة من القاضي احمد الرحموني – لم تكن الا الواجهة التي التي يراد لها ان تخفي حقيقة الممارسات التي قصدت التنديد بها وان عنوان الحديث عن اغتيال صديقنا الشهيد لم يكن الا تسويغا لعدم الحديث عن مسائل لا تقل خطورة عن ذلك وهي وقائع التعذيب التي لم تجد مجالا متسعا للتعليق عليها.
ودون الدخول في جدل لا يجدي فقد بدا لي ان السيدة بسمة الخلفاوي قدتراءى لها بعد نبش طويل في تاريخي الشخصي ان لى توجهات سياسية قديمة ومتجددة واني لا امثل القضاة واني اتقاضى اجرا مقابل الدفاع عن استقلال القضاء اضافة الى اشياء اخرى وهي ادعاءات يسهل الابتزاز بها اذا كانت فعلا تمثل حقائق تم اكتشافها . ويظهر ان السيدة الخلفاوي قد اختارت ان تستمر على نفس الاسلوب وان تتمادى دون اي حدود في الاساءة الى الغيروان تبلغ الغاية القصوى في استغلال المساحة الاعلامية التي اتيحت لها بشكل يبعث على التساؤل.
لكن ذلك لم يكن كافيا حتى يمتنع ولو في اخر الليل بعض المشاركين في الحلقة الاخيرة من برنامج “اليوم الثامن “من الخوض في موضوع العلاقة بين القضاء و الامن – بصيغة تقرب الى الاغتياب رغم تحذير مقدم البرنامج السيد حمزة البلومي .
فرغم اني لم اكن اتوقع من بعض ممثلي النقابات الامنية اكثر مما قال فلا زلت منذ عرفه الناس اتساءل عن دوراحد المنتسبين الى رجال الدين – وهو الشيخ فريد الباجي – الذي اتهمني” باستهداف المؤسسة الامنية “و”تشجيع الارهاب”قبل ان يهاجم دعاة حقوق الانسان ويدعو- فيما يظنه تنكيلا بالمتهمين -الى احالة القضايا الارهابية الى المحكمة العسكرية وحتى “حماية القضاة المتعهدين بها” .
فهل كانت تصريحاتي مهمة الى هذه الدرجة حتى يجتمع عليها في يوم واحد ثلاثة صحفيين ومحامية (ورئيسة منظمة)ونقابي امني (وفوق ذلك خبيرمدهش)وشيخ من علماء الدين و الدنيا.؟!
وإضافة لذلك هل كان مروري على ذلك البرنامج مبررا حتى يتشنج المكلف بالاعلام في وزارة الداخلية و يخرج عن طوره ويتجند الجميع للدفاع على المؤسسة الامنية ضد الارهابيين” و “الدواعش” و”انصار الشريعة “وكل من يندد بتعذيب “الإرهابيين “.؟!
حقيقة لم أكن أتصور قبل أسبوع من ألان إلى أي مدى يمكن ان تصل النيران عند الحديث في موضوع كهذا ولا كيف تخرج عليك الشياطين من كل جانب؟!
المصدر: صحفية الصباح التونسية – 18 أكتوبر 2015