
أحمد الصفاقسي
مرت على حجيج تونس هذه السنة ظروفا قاسية عرضتهم الى كثير من المعاناة وعكرت عليهم صفو الاجواء الروحانية المفترضة للتجرد والتعبد حيث أصبح العديد منهم يبحث عن الحد الأدنى من ظروف المطلوبة للتفرغ بكل راحة نفسية وصحية للطاعات والمناسك.
انطلقت رحلة المعاناة من مخيم عرفة الذي كان في أدنى مستوى من ظروف الراحة حيث كانت الخيام مهترئة وغير محكمة مما جعل الحجاج عرضة لحرقة الشمس وأما رحلة العذاب من عرفة إلى منى فقد فاقمتها الحافلات التي كان بعضها يفتقر للتكيف بالرغم من عدم وجود نوافذ مفتوحة مما كاد يتسبب في اختناق العديد من كبار السن في درجات حرارة تجاوزت الأربعين زد على ذلك تيه بعض الحافلات في طريقها إلى منى وتخلي سائقها عن الركاب مما جعلهم يواصلون مسيرتهم على الأقدام في ظروف متعبة خاصة لكبار السن ولم يتمكن البعض من اللحاق بمخيمات منى إلا في اليوم الموالي. وقد تكرر تيه سواق الحافلات عن الطريق في مختلف مراحل نقل الحجاج منذ نزولهم بمطار جدة، وجل السواق، على ما يبدو، من المصرين المبتدئين في تجربة نقل الحجاج بين المناسك، وقد شاهدت بعض الحجاج يصلون إلى منى في آخر الليل والبعض الآخر في اليوم الموالي بعد رحلة التيه والضياع، وقد شاهدت عديد الحجاج وخاصة من كبار السن داخل مخيم منى ليلة وصولهم في حيرة غير قادرين على استيعاب ظروف الإقامة في خيام معدة لمئات الأفراد دون أن يجدوا من يدلهم أو يرشدهم لولا تدخل بعض الخيرين من الحجيج…
وقد ازدادت حيرة الحجيج في منى بعد أن اكتشف العديد منهم ضياع امتعتهم في رحلتهم من عرفات إلى منى.. وقد كانت ظروف الإقامة في المخيمات التونسية في منى قاسية جدا. وقد آلمني خاصة كبار السن الذين بقوا حوالي 24 ساعة دون وجبة طعام في ظروف الارتباك الذي كانت تعيشه البعثة التونسية مما ساهم في تفاقم وضعهم الصحي. كما أن وضعية النظافة كانت مزرية في مخيم منى. وقد شاهدت بعض كبار السن وقد سلموا أمرهم لله . ومما زاد شعور الحجيج بالغبن والألم ما شاهدوه من تنظيم محكم ورعاية إنسانية في المخيمات المجاورة بما في ذلك مخيمات القطر السوري الذي يعيش حالة حرب.
وقد تكررت معاناة الحجيج مرة أخرى في رحلة العودة من منى إلى مكة حيث فضل العديد منهم العودة على الأقدام عوض الانتظار لساعات طويلة قدوم الحافلات التي كالعادة اتسمت رحلاتها بالتيه والظروف غير الملائمة، وهو ما حدى بعض السواق غير المحترفين والجاهلين بالطريق إلى إنزال التونسيين على بعد عديد الكيلومترات من مقر إقامتهم بمكة. وهو ما خلق أجواءً من المعاناة انعكست على المشهد الذي رأيته بأم عيني في بهو فندق الفجر الجديد حيث شاهدت عديد الحجاج يلاحقون وزير الشؤون الدينية الذي كان في البهو عند وصول حافلتنا لرفع شكاواهم من ظروف الإقامة والإهمال. ولكن تدخل فريق الحماية سيطر على الموقف واتشل الوزير من براثن الحجاج بعد أن وعدوهم بلقاء لاحق تلك الليلة مع الوزير. ولكن طبعا دون أن يتم أي لقاء.
وقد بلغني لاحقا أن إحدى الحاجات من مدينة صفاقس استطاعت الوصول إلى غرفة الوزير بالنزل الذي أفادها بعد أن استمع لها بأن المشقة والصبر جزء من الحج وأن الحديث عن المشقة والظروف القاسية والمعاناة عند العودة إلى تونس لا تجوز لأنها تحط من الأجر ولا تخدم مناسك الحج بما أنها قد تنفّر البعض من هذه الفريضة.
ويعتقد الحجاج أنه لا يمكن الخروج من هذا النفق مادامت عملية الحج تحتكر تنظيمها جهة واحدة.
المصدر: جريدة الضمير، الثلاثاء 13 أكتوبر 2015، العدد 773