
علي عبد اللطيف اللافي
ركز العديد من المتابعين السياسيين والإعلاميين تحليلاتهم على مضمون تصريحات بن غربية وخاصة في الجزء الخاص بالاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس في السنوات الماضية وهي تصريحات رددها أكثر من شخص في أكثر من مناسبة، ولكن ما هي الأبعاد الذاتية والموضوعية لتصريحات الإعلامي معز بن غربية والذي لم يكن سوى مُنشطا رياضيا شبه مغمور قبل الثورة؟ وكيف تمت محاولة توظيف تلك الأبعاد في تحقيق أهداف سياسية ذات أبعاد إقليمية وداخلية من طرف عدد من الفاعلين السياسيين الذين لا حاضنة شعبية لهم مما يضطرهم إلى خوض بعض معارك أقرب للهيتشكوكية؟
+ التاسعة والبحث عن الثوب السابق لقناة نسمة
يجمع المتابعون على الإقرار والتأكيد في أن قناة “نسمة” لعبت دورا أساسيا في دعم حزب نداء تونس خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة بل منذ تـأسيسه[1]، كما دعمت لاحقا الباجي قائد السبسي في حملته للانتخابات الرئاسية بل وكان ضيفها في كل محطات الحياة السياسية خلال سنوات 2012 و 2013 و 2014 بل و انتقلت لبيته لمحاورته…
وبما “أن القروي خرج بقناته من دور الرافد الإعلامي للفعل السياسي إلى دور اللاعب السياسي، وانحنت القناة في أجندتها بعيدا عن مجموعة مرزوق، وانحازت إلى الدساترة، وبما أن قناة الحوار التونسي فيها شركاء متشاكسون، وبداخلها خلطة معقدة وغير مضمون التعويل عليها ككاسحة إعلامية لمجموعة مرزوق ، كل هذه المعطيات جعلت من أولوية مرزوق وجماعته البحث عن منصة إعلامية رائجة، بغية استعمالها للمعركة التي عجلت طبولها بالقرع ، ولاحت داحس تسابق الغبراء في الإعداد والاستعداد ، والأغلب أن تكون غرفة العمليات لدى داحس قد استقر رأيها على اختيار قناة التاسعة كي تلعب لصالح نصف النداء الدور الذي لعبته نسمة سابقا لكل النداء…”[2].
و على اعتبار ما أصبحت تمثله نسمة من خطر على الشق الإستئصالي في النداء وعلى كل مكونات اليسار الاستئصالي ونتاج طموحات أولئك في سحب الأجندات الإقليمية الحالية و القادمة على تونس، فالمطلوب عمليا هو الاستنجاد ببن غربية و قناته الفتية باعتبار تجربته أولا كابن لمنظومة الثورة المضادة، وثانيا باعتبار حداثة قناته بسوق المعارك السياسية والتي يوحي بها اسم قناته والمُذكر ببرنامجه الذي كان كل هدفه سنتي 2012 و 2013 “سخسخة” مسؤولي الترويكا وتقزيمهم أمام الرأي العام إضافة إلى العمل على ترذيل الثورة التي قامت على أولياء نعمة بن غربية وعددا من منشطين لم يكن بعضهم سوى ناشطين في منظمة طلبة التجمع، بل أن بعضهم ومنهم بن غربية قد أثثوا سهرة 13 جانفي 2011 والتي حاولت إنقاذ و حماية المخلوع ونظامه…
وطبعا لم يكن الوقت يسمح بالتصعيد المتأني لشعبية القناة والرفع من أسهمها لدى المواطن ولدى المستشهرين والممولين أو نقلها بسلاسة لسوق المناكفات السياسية، ليتسنى لها التموقع بين أولى القنوات ولا يمكن للزرقوني مثلا وضعها في أعلى سلم الاستطلاعات المعدة على المقاس بطبيعتها نتاج عوامل عديدة، وبالتالي أصبح لا مفر من رجة قوية تصعد بأسهم القناة الوليدة والمتعثرة ماديا نتاج إخلال الممولين بوعودهم تجاه بن غربية، وبالتالي لابد من البحث عن شكل مُبتكر يضعها في المراتب الأولى وخاصة وأساسا في صلب الواجهة السياسية .
وبالتالي يمكن القول أن الهدف مما حدث هو أن تلعب قناة التاسعة أدوارا مطلوبة ومحددة مستقبلا يُخطط لها في مكاتب الثورة المضادة الاعتيادية بل والتماهي مع سيناريوهات إقليمية قادمة بل وقريبة من حيث نية تنفيذها بغض النظر عن مستقبل بن غربية كشخص والذي ربما يقع التضحية به من طرف البعض، وهنا وجب التساؤل عن بيان إدارة القناة والهدف منه خاصة أنه فصل بين باعثها وبين إدارتها في النظر للموضوع خاصة و أن الصياغة تطرح أكثر من نقطة استفهام حول نية من بقي من ممولي القناة في مستقبلها وعلاقاتها بشخص بن غربية ….
+ في تداخل الذاتي والموضوعي لتصريحات بن غربية
لفهم أبعاد تصريحات بن غربية لابد من دراسة تحليلية كاملة وليس مجرد مقال الحال، ذلك أن الفهم يتطلب إستقراء المنتوج الإعلامي والتواصلي إضافة إلى استحضار بعض المعطيات الدقيقة حول محيط بن غربية قبل وبعد الثورة وفهم الأدوار التي لعبها منذ 2011، و أيضا عبر فهم طبيعة الزيارات المكوكية التي قام بها خارج تونس بعد بعثه الأولي لقناته، وعندئذ يمكن فعلا بناء صورة حقيقية وشاملة ولكن الإشكال أن للموضوعي اثر في طبيعة وحالة بن غربية وهو يُلقي مضمون تصريحه وتسجيله الذي على الأقرب أنه مُوجه أو مُملى من طرف البعض:
- بغض النظر عن مقاصد بن غربية الشخصية وتفاعله المستقلبي وهل سيقع التضحية به أو الإمعان في توظيفه، فانه يُمكن الجزم بان التداعيات ستكون كبيرة في قادم الأيام وما يمكن أن ينتج عنها من استتباعات جد خطيرة…
- لا خلاف في أن المحتوى قابل للتوظيف بل و لتأثير متعدد الأبعاد:
- على الصراع الحزبي داخل حزب نداء تونس والذي من الواضح أن الدساترة قد ربحوا أولى معاركه وما استقالة العكرمي إلا تعبير جلي عنه إذ أن مرزوق في أشد الحاجة إليه بجانبه لأن الآخرين على غرار المنذر بلحاج والصحراوي والطرودي، يفتقدون لفاعلية العكرمي…
- على التحوير الحكومي الجزئي والذي أكده رئيس الجمهورية وهو ما يفسر توجيه بن غربية رسائل لرئيسي الحكومة والجمهورية …
- على حرب الخلافة وهو ما يؤكد أن طرفا في هذه الحرب خسر أشواطا يُريد استرجاعها عبر خلط الأوراق وربح قناة وليدة عبر إنقاذها ثم توظيفها لتكون قناة بديلة لنسمة ووراثة أدوارها السابقة ….
- على الملف الليبي لان التفاعل بين تطورات البلدين آلية وتراتبية خاصة أن المضمون في أغلبيته موجه لرجل أعمال تونسي فاعل في الملف الليبي بشكل أو بآخر وله علاقات بنجل السبسي والذي من الواضح أنه مستهدف في كل الملف بأشكال عدة ومتعددة…
- أن الخيط الناظم بين جراية وفجر ليبيا والقروي والسبسي الابن سهل الإثبات، ويتم تأكيده بحملة إعلامية سيحدد وقتها، و منظومة الثورة المضادة المتبقاة جاهزة لتلقي الأوامر، و يكفي التدليل أن داعمي بن غربية إعلاميا جذورهم جد ممتدة في القطاع، وقد نجحوا سابقا في عديد الحملات المبنية على المغالطات بل أن الحقيقة بالنسبة إليهم ليست مهمة بل المهم هو نجاعة التوظيف …
- هناك هدف مرتقب وهو إعداد الرأي العام في تونس لمناصرة ضربة لليبيا في صورة سقوط الحل السياسي والاقتران هنا هو التحضير لتوجيه الاتهام لفجر ليبيا بالاغتيالات السياسية في وقت لاحق…
- معلوم أن التوظيف سيلحق أضرارا جانبية لكل الأحزاب ذات الصلة الجيدة بفجر ليبيا وبجراية وحافظ قايد السبسي وهو ما يفسر توجيه البعض للاتهامات مجددا للنهضة والمؤتمر وهو ما تجسد فيس رسالة الصحراوي للمكتب السياسي للنداء[3]…
- تركيز بن غربية على وزارة الداخلية جزء من حملة ضد الوزير الحالي المرغوب في تنحيته من طرف البعض، وهناك حديث في الكواليس عن تسريبات تتعلق بتولية أحد الولاة الحاليين حسب أجندات بعض أطراف معلومة الهوية للجميع …
وفي الأخير يمكن الجزم أن بن غربية هو أداة توظيفية لمن رتب وأشعر ودفع هنا وهناك لإحداث رجة بناء على تقييم أوضاعه، وبالتالي التقى الذاتي الخاص ببن غربية بأهداف لأطراف تتماهى وقريبة من بن غربية وهي قد تخدمه كشخص وربما تُضحي به أو تعمل على أن يتلبس بهذه الحالة النفسية وهي جهات تحسب للتطورات، مما يعني أنها قد تُوقف المسلسل عند هذه الحلقة، أو قد تُنتج حلقات أخرى حسب موازين القوى والتفاعلات والتطورات في الداخل والخارج ، والثابت أن الهدف الخاص يأتي ضمن هدف أعم وهو التغيير الحكومي بل تغيير كل الحكومة برمتها في صورة النجاح في ضرب الشق المشار إليه سابقا، والذي ستتحدد مكوناتها وفقا للتفاعلات وردات الفعل وللتطورات الإقليمية أساسا….
[1] حضر القروي بنفسه جلسات التأسيس الأولى التشاورية، بل أن أولها جرى أيام حكومة الباجي الانتقالية سنة 2011 أي قبل مغادرته للقصبة..
[2] نص مقتطف من تص للسويلمي (نصر الدين) – موقع الشاهد – مقال “باش نفهمو مليح” – بتاريخ 8 أكتوبر 2015 …
[3] نشر موقع الصباح النيوز مضمونها كاملة …
تعليق واحد