تحاليلتونس

أي مستقبل لأحزاب “يسار الوسط” في أفق المرحلة القادمة؟[1]

 

 

علي عبد اللطيف اللافي

 

قلبت نتائج انتخابات 26 أكتوبر 2014 المشهد السياسي التونسي رأسا على عقب حيث أعادت تشكيله خاصة من حيث ملامح تركيبة المجلس التشريعي ( مجلس نواب الشعب) حيث أن بعضها لم يحصل على أي مقعد نيابي ( التكتل  – حزب المسار- بعض مكونات الجبهة الشعبية) بينما اكتفت بعضها بمقعد وحيد (التحالف الديمقراطي –  الجمهوري – حركة الديمقراطيين الاجتماعيين – الديمقراطيين الاشتراكيين – حركة وفاء) فيما حصلت بعض تلك الأحزاب في أحسن الحالات على  ثلاث أو  أربع مقاعد ( التيار الديمقراطي – حزب المؤتمر- حركة الشعب) مما يعني أن قوى وسط اليسار وجدت نفسها في إعادة تشكل وترتيب لبيوتها الداخلية أو خوض عمليات انصهار أو اندماج وبناء جبهات وتحالفات جديدة حتى لا تندثر أو لخوض معارك سياسية مقبلة على غرار انتخابات المجالس الجهوية والمحلية ( البلدية أساسا) المقررة لنهاية سنة 2016، والسؤال المُلح أو المطروح هو أي مستقبل لأحزاب وسط اليسار في أفق المرحلة القادمة؟ 

  • ما المقصود بيسار الوسط ؟

“وسط اليسار” هو مُصطلح سياسي للأفراد والأحزاب السياسية أو المنظمات مثل خلايا التفكير الذين تكمن أيديولوجية بين الوسط واليسار على الطيف بين اليسار واليمين. ويستبعد مواقف أقصى اليسار  ( أقصى اليسار الماركسي أو الاشتراكي) و قد يشير إلى تموقع وسطي في توجه يساري في بلد معين وهنا يمكن تصنيف أحزاب عدة في تونس ضمن مكونات وسط اليسار بغض النظر عن تموقعها السياسي في أي مرحلة، أو قد يشير إلى موضع إلى اليسار في بعض افتراضية الطيف السياسي العالمي، والمعروف أن الإيديولوجيات الرئيسية لوسط اليسار هي التقدمية والليبرالية الاجتماعية والديمقراطية الاجتماعية، كما يمكن أن تشمل أيضا الاشتراكية الديمقراطية والسياسة الخضراء

  • واقع وفسيفساء مكونات يسار الوسط بعد الانتخابات:
  • حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات

         أصيب هدا الحزب المؤسس بقيادة الدكتور مصطفى بن جعفر سنة  1994 والمتحصل على القانونية في ماي 2002، بعدد من الخيبات في التشريعية والرئاسية وعلى المستوى التنظيمي خاصة بعد مغادرة عشرات من كوادره،  وهو ما تكرس بعد أن خسر قاعدته الانتخابية لصالح نداء تونس، بالتالي طرحت قايدته بداية سنة 2015 تقييم مساره وتجديد الدماء فيه على انه يبقى قابلا ليكون حزبا فاعلا سوى في احد مبادرات التوحيد في وسط اليسار أو في إطار جبهة سياسية موسعة، ولابد له من إعادة إصدار صحيفته “مواطنون” ليكون قادرا عن تقديم قراءات واقعية مكنته سابقا من التموقع السياسي قبل وبعد الثورة…

  • حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي

            رغم أن هدا الحزب واغلب قياداته الحالية اقرب لأقصى اليسار بل يمثل عمليا اليسار الثقافي (نوابه السابقين – مضمون صحيفته “الطريق الجديد”)، قبل أن يمثل عمليا وسط اليسار من حيث تموقعه الفكري والسياسي خاصة بعد انضمام قيادات من مؤسسي “الأوطاد” لمؤسسته التنفيذية الأولى، ولابد للمسار من مراجعة مواقفه وتحالفاته وتقديم قراءة نقدية بعد عدم حصوله على أي مقعد نيابي، ويبقى الأمر مرتبطا بتخلصه من مقولات دغمائية تعود إلى ستينات القرن الماضي هذا إن لم يسقط في منطق خدمة يساريي النداء والتحالف معهم بحثا عن مكاسب آنية أو خدمة لأجندات فكرية وثقافية معلومة وعمليا أصبح الحزب مجرد رقم من الأرقام في الحياة السياسية وغاب عن الحضور في الساحتين السياسية و الإعلامية…

أحزاب وسط اليسار داخل الجبهة الشعبية

وهي أحزاب على غرار “التيار الشعبي” و”القطب”، لم يُمكنها تواجدها في الجبهة الشعبية من القدرة على تقييم حضورها الشعبي الضعيف ولا اكتسبت تجربة سياسية أو حتى الحصول على مواقع في المجتمع تمكنها من تماسك تنظيمي وبقيت نخبوية، بل أن حضورها في الجبهة أصبح ضعيفا مقارنة بمكونات أقصى اليسار (حزب العمال – الوطد الموحد – التروتسكيين) والحزبين البعثيين  و أحزاب هي مجبرة داخل الجبهة في الدفاع على فكرة تحويل الجبهة إلى حزب سياسي خلال المرحلة المقبلة رغم سقوط هذا الخيار ظرفيا نتاج التأجيل المتكرر لندوتها الوطنية منذ 7 ماي 2015   ….

  • حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أو حراك شعب المواطنين

طبعا دفع حزب “المؤتمر” ثمن تجربته في السلطة وتضرر من تجربة الترويكا و لكنه استفاد عمليا من المعركة الانتخابية الماضية بالقدرة على اكتساب جمهور واسع متكون من فئات عديدة وليس من الإسلاميين فقط أو من جمهور النهضة كما يُروج البعض لدلك، وستبقى مبادرة “حراك شعب المواطنين” محددا في مستقبل حزب المؤتمر ورافدا لتقييم مسار الحزب مند تأسيسه في 2001 ، وتدور في كواليس الحراك وحزب المؤتمر مشاورات لإطلاق مبادرة سياسية جديدة ستحدد مستقبل الحزب ومحيطه السياسي …

  • حركة وفاء

عرفت حركة وفاء والتي تم تأسيسها بعد مغادرة زعيمها الأستاذ عبد الرؤوف العيادي لحزب المؤتمر سنة 2012، رغم ثورية  مقولاتها و أطروحاتها،  عددا من التقلبات فخسرت العشرات من مناضليها، وخسرت المعركة الانتخابية بشقيها الرئاسي والتشريعي، ويطرح السؤال هل ستنخرط حرة وفاء في رهان حراك شعب المواطنين؟ أم ستحافظ على الاستقلالية التنظيمية أم ستعود إلى رحاب حزب المؤتمر سياسيا  على الأقل ؟

  • التحالف الديمقراطي

الطبيعة النخبوية لهدا الحزب لم تمكنه من اكتساب بُعد شعبي ولم يستطع كسب انتماء أي فئات شعبية له وبقيت مقولاته كلاسيكية ولم يتميز خطابه السياسي، والحل الوحيد للتحالف هو الإطار الجبهوي أو العودة لحضن الحزب الجممهوري أو الالتحاق بحزب التكتل، أو النجاح في بلورة جبهة سياسية مع مع أحزاب قريبة منه على غرار “حركة الشعب” و”التكتل” وبعض الأطراف السياسية الأخرى التي يشترك معها في بعض مقولاته ومواقفه من الساحة السياسية …

  • التيار الديمقراطي

اكتسب هدا الحزب الوليد رغم قصر المدة الزمنية بعد تأسيسه أن يكون طرفا فاعلا بل وله حضور سياسي وإعلامي محترم، وتميز فعله السياسي بعدد من المبادرات وقوة خطابه السياسي وتمايزه عن بقية الفاعلين السياسيين، ويعتبر حصوله على 3 مقاعد نيابية ايجابيا، وقد يكون التيار الديمقراطي طرفا فاعلا في الجبهة الديمقراطية الاجتماعية بعد أن أختار عدم الالتحاق بحراك شعب المواطنين سوى كحزب أو كقيادات مركزية للحراك….

  • حركة الديمقراطيين الاجتماعيين

وهي حركة سياسية صغيرة تتمحور على شخص الدكتور والنائب عن ولاية سيدي بوزيد أحمد الخصخوصي، و يُنتظر أن تخوض نقاشا داخليا لتحديد خيارات تحالفها السياسي خلال المرحلة المقبلة سوى عبر الالتحاق مجددا بالجبهة الشعبية أو من خلال الانخراط في احد المبادارات السياسية لتوحيد وسط اليسار …

  • حركة الديمقراطيين الاشتراكيين

وهي تواصل لتجربة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في آخر سبعينات القرن الماضي ، رغم الخسائر التاريخية للحركة فإنها بقيت شكلا تنظيميا لبعض قياداته التاريخية بالإمكان حسن استثمار بقاء بعض الفاعلين في إطارها لحسن التموقع السياسي لاحقا وأن تكون طرفا فاعلا في بناء جبهة سياسية مع مكونات سياسية قريبة منها….

حركة الشعب الناصرية

فقدت حركة الشعب رغم حصولها على 3 مقاعد نيابية، العديد من قياداتها التاريخية والتي كانت فاعلة في تيار طلابي يعرف باسم “الطلبة العرب التقدميون الوحدويون” أو في تجربة “الطلبة القوميون” ثم انشقاق كل من حزب الغد بقيادة عمر الشاهد أو التيار الشعبي ( بقيادة الراحل والشهيد محمد البراهمي والدي يقوده حاليا زهير حمدي)، ويتحدد مستقبل حركة الشعب بحسن تموقعها السياسي في المرحلة المقبلة وحسن قراءتها لموازين القوى وقدرتها ان تكون فاعلة في بناء جبهة سياسية واسعة تقطع مع الاستقطاب الثنائي…

مبادرات و حلول ممكنة أمام أحزاب وسط اليسار

تُدرك كل الأحزاب الوسطية أنه قد آن الأوان بعد الزلزال الانتخابي  أن الديمقراطية لم تعد تجد معها توفيقية باتت مستهلكة مستنفدة، وأنها لن تتبلور إلا عبر الصراع والتناقض وليس عبر توافق طوباوي مفترض، أو تسويات سياسية تعيد إنتاج النظام السابق.
و باتت القوى الديمقراطية التونسية في حاجة إلى اقتراح مشروع مجتمعي جديد وخارج عن الاستقطاب الثنائي(النهضة ونداء تونس) يكسر البُنى التونسية التاريخية المتكلسة ويمهد لفكر ديمقراطي جديد ويحقق أهداف الثورة التونسية ويستعمل مهامها وان وجود تلك الأحزاب مرتبط لاقترابها من المواطن والتفاعل مع آلامه ومشاغله اليومية.

وبالتالي فان كل المبادرات يجب أن تصب في اتجاه توحيد أحزاب ومكونات وسط اليسار في إطار جبهة واحدة وفي حد أدنى تكوين ثلاث   أحزاب أو ائتلافات قوية:

  • فأحزاب على غرار التكتل والجمهوري وحركة الشعب الناصرية والتحالف الديمقراطي بإمكانها تكوين حزب قوي يجمعها أو رابطة أو جبهة حزبية لخوض المعارك القادمة لان ما يجمعها أكثر مما يفرقها بل و بإمكانها ضم عدد من المكونات الحزبية الصغرى
  • أحزاب كالمؤتمر وحركة وفاء والتيار الديمقراطي وحزب البناء الوطني بإمكانها أن تكون حزبا قويا أو حراكا قويا خاصة في ظل مبادرة الرئيس المرزوقي والمنتظر الإعلان عنها في منتصف الشهر الحالي بل وبالإمكان ضم مكونات أخرى من وسط اليمين على غرار حزب الآمان وعددا من الناشطين في المجال السياسي والثقافي والدين تتماهى أفكارهم وأنشطتهم مع أطروحات أحزاب المؤتمر والتيار والآمان…

ج- يمكن للأحزاب والمكونات القومية العربية المحسوبة والمتموقعة ضمن يسار الوسط على غرار حركة الشعب و حزب الغد وأحزاب أخرى تنتمي للتيار القومي بمدرستيه الناصرية أو البعثية ( بشقيها السوري والعراقي)  أن تخوض نقاشات جدية لتكوين قطب قويم مع بعض مكونات وسط اليسار ووسط اليمين على أن تعيد تقييم تجربة التيارات الناصرية و البعثية والتي لم تعد واقعيا تستجيب في قراءاتها الكلاسيكية لتحديات الواقع الحالي  وبالتالي وجب تأسيس تيار قومي ديمقراطي يتموقع في وسط اليسار ويحتل موقعا في الساحة السياسية ضمن احد الجبهتين المذكورتين أعلاه أو حتى في جبهة منفصلة وتساهم عمليا في كسر أوتار الاستقطاب الثنائي…

  • أي مستقبل في أفق المرحلة المقبلة ؟

إضافة لمسارات التوحيد ومبادرات سالفة الذكر التي أمام أحزاب ومكونات وسط اليسار لتجاوز هزات و ترتبات انتخابات 26 أكتوبر 2014 ستُساهم التطورات الإقليمية والدولية في نحت ملامح مستقبل المشهد السياسي ومستقبل هده الأحزاب خلال المرحلة المقبلة وبالتالي ستساهم تكيفها مع التطورات وتجاوز منطق الزبُونية في الترشيحات وبناء الهياكل وتصعيد القيادات الشابة والقدرة على استقطاب أنصار جدد ومن مختلف الفئات في الأحياء والمدن والأرياف، و توخي الواقعية في إصدار المواقف والاصطفاف في كل المحطات لتجاوز الاستقطاب الثنائي والمرحلي، وستكون الانتخابات البلدية أولى مراحل امتحان أحزاب وسط اليسار للقدرة على تجاوز النقائص والاستفادة من الدروس القريبة وخاصة محطتي الانتخابات الرئاسية والتشريعية …

[1]  نُشر هذا المقال في نسخة أولى في صحيفة القدس العربي بتاريخ 19 جانفي 2015 ،  بشكل مبتسر، وبشكل موسع في صحيفة الفجر الأسبوعية التونسية، ثم نشرته عدد من المواقع الإلكترونية على غرار “عين على تونس” و  “عربي اي نيوز”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق