
يعي الجميع في المنطقة المغاربية أن ترتبات الوضع الليبي خلال الأسابيع القادمة ستكون عديدة، بل أنها قد تغير المشهد السياسي في عدد من البلدان العربية والإفريقية أيضا…
ويبقى السؤال الأهم والأساسي اليوم بعد أن بلغ الحوار الليبي مراحله النهائية بإمضاء بنود الاتفاق السياسي[1]، بل والبدء في مناقشة ترتيبات تشكيل حكومة التوافق الوطني، هو من هي الأطراف التي تسعى لتعويم الاتفاق بين الأطراف المتصارعة وإعادة الأمور إلى نقطة البداية تحديدا خاصة وأن تلك الأطرف عديدة في الليبي وبين مكونات طرفي الصراع الأساسيين أي حكومتي طرابلس وطبرق إضافة إلى أطراف إقليمية ودولية عديدة لا ترى في تكاتف الليبيين ووحدتهم بعين الرضا؟ وأي مستقبل لتطور الأوضاع في ليبيا في أفق نهاية سنة 2015؟
1- هل يمكن فعليا إفشال الحوار الليبي؟
رغم أن الحوار الليبي الدائر في مدينة الصخيرات المغربية عبر جولات متعددة منذ أكثر من سنة وهو الذي سُبق في أكثر من مناسبة بلقاءات تلطيفية وتحضيرية في جنيف والجزائر وتونس وعواصم أخرى، فان عودته إلى النقطة الصفر مازالت قائمة رغم ضعف نسبة حدوث ذلك نتاج تسارع الخطوات الايجابية و عوامل التحدي التي تواجه ليبيا لو تواصل الانقسام، إضافة إلى إصرار القوى الدولية الكبرى على إنجاح الحوار وتشكيل حكومة التوافق بل وضع برنامج واضح لعملها …
وعمليا يبقى إفشال الحوار أمر ممكن الحدوث نتاج تعقيدات الوضع وتشابك المصالح بين أطراف داخلية وخارجية وحالة اللادولة ولكن القدرة على إفشال الحوار الليبي مرتبط بتطورات إقليمية ودولية عديدة ومتوازية:
أ- سنة 2016 هي سنة الانتخابات الأمريكية بما يعني أنه لو تفجر الملف الليبي وتعددت عوامل تفجره فسيصبح أمرا عصيا على أي طرف دولي بما فيها الولايات المتحدة والتي تبحث عن غلق الملف الليبي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية و نتاج أجندات ملفات أخرى لديها، وعمليا قد تذهب الأحداث إلى حدها الأقصى نحو خط اللا عودة نتاج عوامل عدة مغذية وتعدد الأطراف التي تشعل نار الانقسام والخلافات هنا وهناك، رغم أن ذلك أمر مستبعد في ظل المعطيات الحالية و على ضوء قرارات المكونات والتفاصيل ومختلف الرؤى …
ب- تعدد الأطراف التي لا تريد للحوار الليبي النجاح وهذه الأطراف هي أكثر من أن تعد في الداخل الليبي (جزء من أنصار القذافي – أطراف في حكومة طبرق – أطراف في حكومة طرابلس)، وهي أيضا قوى إقليمية ودولية أما دوافعها الذاتية والموضوعية ( أنظر الفقرة 2 من مقال الحال).
ت- تطورات الأحداث في سورية واليمن إضافة إلى صمود التوافق الوطني في تونس ونجاح الانتقال الديمقراطي في تحقيق الحد الأدنى المطلوب ….
ث- أجندات فسيفساء الدولة العميقة في الدول العربية و الثورتين المضادة في في تونس ومصر، فهذه الأطراف ترى أن نجاح أجنداتها مرتبط بفشل التوافق في ليبيا بل أن القوى الإعلامية والأمنية والسياسية الممثلة لتلك الثورات المضادة، تعمل كل حين وكل يوم على إفشال الحوار الليبي وتعمل على دعم انتصار قُوى ليبية قريبة منها بل هي تنجز على الأرض دعما لوجستيا لها ….
ورغم أهمية العوامل سالفة الذكر في قدرة أطراف على إفشال الحوار الليبي لا قدر الله، وهو ما يعني قطف نتائج الحوار في الاتجاه المعاكس لما يريده الليبيون والأطراف الجادة في الحوار وبعثة الأمم المتحدة وقوى دولية…، فانه يُمكن الجزم أن إفشال الحوار الليبي أمر صعب المنال، وان العوامل السالفة الذكر قد تكون مُربكة للحوار والحكومة المُرتقبة ولكنها لن تكون قادرة على إفشاله عمليا وذلك للأسباب التالية:
أ- أغلب القوى الدولية ترغب في تشكيل حكومة توافق وطني في ليبيا تتعامل معها وتساعدها، بغض النظر على اختلاف القوى الدولية في ما بينها في مدى درجة قوة الحكومة المرتقبة أو تفاصيل برامجها أو مدى تواجد الإسلاميين فيها…
ب- الدول الأوروبية حسمت أمرها في اتجاه أن تكون هناك حكومة مرضي عنها من طرف جميع الليبيين حتى تتحكم تلك الحكومة في الهجرة غير الشرعية لان الدول الأوروبية وعلى عكس ما يعتقد البعض ليست ضد الهجرة بل في تحديد من يهاجر تحديدا ومدى علاقاته بالظاهرة الإرهابية و الإجرامية من عدمه …
ت- كانت لقاءات أوباما بالملوك والأمراء الخليجيين منذ أشهر في كامب ديفيد ولقاءه بالعاهل السعودي منذ أسبوعين، لقاءات حاسمة في استراتيجيا غلق الملف الليبي وتوجيهها نحو مثال أقرب للتجربة التونسية …
ث- كان الدور الجزائري وسيبقى حاسما في اتجاه غلق الملف الليبي وستكون الجزائر حصنا منيعا ضد أي إرباك لمسارات الدول المغاربية لان ذلك جزء من استراتيجيا سياساتها الخارجية ولقاحا أساسيا لعدم زعزعة استقرارها الداخلي …
ج- ألهمت التجربة التونسية بغض النظر على نسبية نجاحها في تحقيق أهداف ثورتها والتي لم تستكمل مهامها بعد، القوى الدولية والفاعلين السياسيين في ليبيا وخارجها أنه يمكن بناء حكم تشاركي وتوافقي مبني على نتائج الانتخابات في البلدان العربية وخاصة المغاربية بالذات ….
2-من يريد إفشال الحوار الليبي ونتائج التوافق؟
أ- أطراف دولية: رغم أن القوى الدولية حسمت أمرها كما أسلفنا في الفقرات السابقة من مقال الحال، في اتجاه إنجاح الحوار الليبي، إلا أن عوامل وتطورات لاحقة قد تجعلها تتراخى في الدعم أو في الانجرار وراء قوى إقليمية تسعى لإرباك الحوار الليبي في حد أدنى وهو أمر وارد بناء على تجارب سابقة خلال العقود الماضية أو من خلال استقراء السياسات الدولية في التجربتين العراقية والسورية بل ومن خلال توضح مسارات التفاعل مع الأوضاع اليمنية رغم اختلاف المحددات والخصائص الجيو- سياسية في الحالة الليبية، إضافة لذلك ستبقى مواقف الإيرانيين والروس وهما عمليا لاعبان جديدان منذ أشهر في الملف الليبي حيث أن سياساتهما تجاه الملف يكتسيها نوع من الغموض بغض النظر عن التصريحات الدبلوماسية أمام كاميرات القنوات والشبكات التلفزية ….
ب- أطراف إقليمية: عديدة هي الأطراف الإقليمية التي تسعى لإفشال الحوار الليبي بغض النظر عن مواقفها الدبلوماسية المعلنة:
+ النظام المصري: لن يكون النظام المصري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي مُرتاحا لحكومة جديدة في ليبيا، خاصة أنها لن تكون تحت رعايته و لن تحتاج لدعمه اللوجستي و ولن يستأثر بعطايا برامجها وخاصة الاقتصادية منها، خاصة بعد الحسم شبه النهائي بين الأطراف المتحاورة في الجنرال العجوز حليفة حفتر وإخراجه شبه النهائي من اللعبة السياسية و المستقبلية في ليبيا.
+ الإمارتيون: يعتبر الإماراتيون ثاني الأطراف التي لن تكون مرتاحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وطبعا يستند الإماراتيون بقوى محسوبة على السلطة الفلسطينية بقيادة أبومازن سوى الحالية أو بعض المنسحبين منها منذ سنوات على غرار رجل الإماراتيين في المنطقة العربية المدعو محمد دحلان وشبكاته المتلحفة بغطاء جمعياتي في عدد من الدول العربية، ورغم أن الامارتيين يبقوا دائما مرتبطين بالتوجه الخليجي ولن يكونوا معارضين واضحين للسياسيات الأمريكية والأوروبية بل هم فاعلين فيها بشكل من الأشكال، فإنهم لن يكونوا مرتاحين لنجاح الحوار الليبي وتشكيل حكومة يتواجد فيها إسلاميو ليبيا ولن تكون رؤيتهم للتعامل معها بعيدة عن رؤيتهم لحكومة الحبيب الصيد في تونس بسبب وجود حركة النهضة الإسلامية حيث تخلوا عن كل وعودهم التي قدموها للباجي قايد السبسي في صورة انتخابه في ديسمبر الماضي …
+ القطريين والأتراك: أولا ربطنا هنا “الأتراك بالقطريين” هو ربط موضوعي لتحالفهم السياسي والاقتصادي والذي بلغ درجة من التحالف الاستراتيجي حسب رأي المتابعين، و هذا التحالف المُعلن ليس طرفا محايدا في ليبيا رغم أنه تحالف لا يترك البصمات السياسية في الموضع الليبي تحديدا على عكس بقية القضايا الإقليمية الأخرى وعلى كسي قوى إقليمية أخرى في ليبيا، فالتحالف “التركي- القطري” يتحرك بهدوء ويسند واقعيا حكومة طرابلس رغم أن أنصار حكومة طبرق يعاملون بمثل معاملة أنصار فجر ليبيا في المدن التركية المختلفة بل أن عددهم في أنقرة و إسطمبول أكثر بكثير من مناوئيهم..
و من المهم التأكيد أن السياستين التركية والقطرية تساند الحوار الليبي وتشكيل حكومة التوافق الوطني و لن تعملا على إفشاله في ما هو بين إعلاميا وسياسيا على أنهما تدعمان الأطراف الإسلامية الأقرب للتيار الأخواني وهذا ليس سرا بل هو مصرح به وهو أمر جلي وواضح لكل المتابعين ….
ت- أنصار القذافي: أولا، لا يمكن الجزم أن أنصار القذافي في ليبيا حاليا هم وحدة متكاملة من حيث الرؤى والتوجه والولاء أو من خلال رؤيتهم لمستقبل ليبيا فبعضهم انقلابيون يسعون لتكوين ما يسميه البعض منهم في جلساتهم أو في تدويناته الخاصة على الشبكة الاجتماعية بـــ”المجلس العسكري”، أي الدفع نحو إحداث انقلاب عسكري قد يكون وشيكا من حيث البعد الزمني بغض النظر عن نجاحه من عدمه، وطبعا سيكون الانقلاب على مسار الحوار وميدانيا على حكومتي طرابلس وطبرق في آن واحد، كما لهم خطط بديلة في حالتي نجاح أو فشل التوصل إلى حكومة التوافق المرتقبة بين الحين والآخر…، وبعض أنصار القذافي يرون في قراءتهم للوضع الحالي أنه يمكن عودة نظام القذافي بكامله والبعض الآخر يعتبر أن تنفيذ وصية العقيد في أن يقع ترتيب الأمور لصالح سيف الإسلام القذافي، وفي هذه النقطة بالذات ينقسم أنصار القذافي إلى طرفين الأول يرى في سيف منقذا للبلاد والطرف الثاني يرى في ذلك تكتيكا أوليا في طريق عودة نظام القذافي باعتبار أن الغرب في تحليلهم طبعا ليس أي إشكال مع سيف الإسلام بل هو ورقة غربية قديمة، أم الطرف الثالث من أنصار القذافي فهو يرى في نجاح الحوار سبيلا أن تسرتد بعض قبائل محسوبة عليهم حقها وانه لا يجب معاملتها بناء على قربها السابق من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وهؤلاء يرون أن المصالحة الحقيقة هي في بناء جديد يدفن آلام الماضي…
و الخلاصة أن أنصار القذافي مُشتتون ومُختلفون وقوتهم بشرية ومادية لوجستية ولكنها متمركزة أساسا في دول جوار ليبيا وأنه لا أمل لأنصار القذافي في إفشال الحوار الليبي رغم هامش قوة مقتدر ولكنه نسبي على إرباك الحكومة الليبية المرتقبة، و الأكيد أيضا أن قطاعات واسعة من أنصار القذافي مؤمنة حاليا بما قاله رجل المخابرات القوي في عهد القذافي لقبيلة المقارحة في سجنه بعد القبض على محمد بن نايل “عهد القذافي انتهى وولى ولن يعود وعليكم القبول بذلك والمشاركة في المسارات الجديدة”
ث-بعض مكونات طرفي الصراع التي تريد افشال الحوار: إن كل من طرفي الصراع ليس وحدة متكاملة كما يعتقد البعض ولكن كُل منها يضم مكونات لا ترى في الحوار الليبي تحقيقا لأهدافها:
+ مكونات حكومة طبرق: وهي تشمل حوالي خمس مكونات بعضها ظاهر كـــ”الفيدراليين” و”مجموعة الكرامة” بقيادة الجنرال العجوز وأنصار هذه الحكومة في الجهة الغربية (وهم أيضا ليسوا وحدة متكاملة)، وأطراف لا تُرى ولا تظهر في الصورة، ومنهم أطراف من قبيلتي البراعصة والعبيدات (منهم الرحوم عبد الفتاح يونس)، ومنهم مكونات سياسية ليبرالية وطبعا قيادات نظام القذافي التي لم تكن معلومة في عهده من عسكريين ورجالات الأمن الخارجي والداخلي، إضافة إلى أنصاره في القبائل وفي الإدارة ومؤسسات الدولة على علاتها البنوية، وطبعا بعض هذه المكونات تختلف في رؤيتها للصراع مع فجر ليبيا وأيمانها بأهمية الحوار وحسمها في الحسم العسكري مستحيل واقعيا وميدانيا و أنه لا سبيل إلا بتشكيل حكومة لكل الليبيين….
+ مكونات حكومة طرابلس: يختلف الأمر عن حكومة طبرق فحكومة الإنقاذ لها جناح سياسي وتشريعي وهو المؤتمر الوطني بينما “فجر ليبيا” هم الملهم الفكري والثقافي، بل أن ‘فجر ليبيا’ هو تعريفا حسب قادته “حركة تصحيحية للثورة الليبية”، إضافة إلى كتائب ثوار الجهة الغربية و أنصارهم من كتائب ثوار في بنغازي و في عدد من مدن الشرق، إضافة إلى مجموعات كتائبية وسياسية تشكل حسب تطورات الأوضاع مثل “جبهة الصمود” (بقيادة صلاح بادي)، و التي شُكلت للضغط على المؤتمر الوطني ويرى أصحابه أن الحسم العسكري يبقى الفيصل الأساسي وأن تصحيح الثورة يجب أن يستمر، وعلى عكس بعض مكونات حكومة طبرق، من التي تؤمن إيمانا قطعيا بضرورة إفشال الحوار فان بعض مكونات الجهة الغربية ترتهن رؤيتها للحوار بمدى تحقيق أهداف تصحيح ثورة فبراير حسب رأيهم ولذلك يرى المتابعون أن المؤتمر الوطني يتمسك برؤية ضرورة تحديد الآليات التي ستلي الحوار وهو ما يعني أن من هم مع إفشال الحوار في حكومة طرابلس هم أشخاص وليسوا أطراف ومكونات والتي تتراجع عن الحوار أو تتقدم فيه هي مؤسسة المؤتمر الوطني رغم حدوث شرخ ميداني واضح بين نواب مصراتة وحزب العدالة والبناء من جهة وبين بقية أطراف المؤتمر الوطني…
ج- الجهاديون: فسيفساء التيارات الجهادية في ليبيا معقدة ومتشابكة ومتطورة ومتحولة واغلب مكوناتها ترى في تشكيل الحكومة المرتقبة ضربا لأجنداتها السياسية والميدانية:
+ داعش في ليبيا: رغم أن “داعش” في ليبيا ليس طرفا واحد أو وحدة متكاملة تنظيميا بل هي فسيفساء تختلف من حيث الجهة المُمولة والداعمة لوجستيا ومن حيث الامتداد الجغرافي[2]، فــ”داعش سرت”، هي خليط بين داعشيين تونسيين ومصريين يسود غموض حول الجهات الداعمة لهم وبين بقايا مرتزقة القذافي و أنصاره في الجنوب الليبي، بينما داعش في صبراطة هي تنظيم مُركب ومدعوم لوجستيا من طرف عدد من القوى الإقليمية وبعض أجهزة المخابرات الأجنبية والمنزمات القديمة لعدد من الأنظمة العربية التي أسقطتها ثورات الربيع العربي، و هو تواصل موضوعي لتنظيم تونسي كان يٌدعى “شباب التوحيد”[3] ، أما داعش درنة فهي مجوعات ليبية كانت تنتمي لشبكات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو تنظيم القاعدة المركزي بقيادة أيمن الظاهري وتبنت فكر داعش وبايعتها منذ ظهور البغدادي …
والخلاصة أن كل هذه التنظيمات لا تتحكم في مصيرها وأجنداتها وأنها مجرد أداة توظيفية وأنها مخترقة في مؤسساتها القيادية ويمكن أن يقع توجيهها لاحقا لعدد من الأهداف سواء لإفشال الحوار الوطني أو لإرباك حكومة التوافق الوطني لاحقا أو لخدمة أجندات وأهداف خارج ليبيا يُرتب لها مستقبلا من طرق قوى إقليمية ودولية …
+ بقية تنظيمات لجهاديين الليبيين: المقصود هنا هي التنظيمات التي تبنت الفكر الجهادي سواء سابقا (بغض النظر عن تقييماتها وتطوراتهأ)، أو تتبناه حاضرا فالمعروف في ليبيا أن أول التنظيمات الجهادية و أبرزها في تاريخ ليبيا المعاصر، هي الجماعة “الليبية المقاتلة”[4] والتي سرعان ما حدثت داخلها تباينات حول العلاقة بتنظيم القاعدة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، وحول رؤيتها لفلسفة “الخيمة والعمود” وحدث هذا التباين من جديد داخل الجماعة اثر مجزرة بوسليم سنة 1996، واثر المراجعات التي قادها الدكتور علي الصلابي و، أثناء أحداث ثورة 17 فبراير، حدثت تباينات أخرى تنظيمية حيث ظهرت “الحركة الإسلامية للتغيير” والتي تطورت لاحقا إلى حزبين بناء على تقييمات متباينة للوضع الجديد في قراءة للواقع السياسي بعد ثورة 17 فبراير حيث قاد عبد الحكيم بلحاج حزب “الوطن” بينما قاد بعض من رفاقه السابقون حزب الأمة الوسط، في ما تشكلت تنظيمات أخرى في شكل مجالس شورى في كل من بنغازي و درنة وسرت، و تباينت رُؤاها حول التطورات السياسية والخلافات بين حكومتي “طبرق” و”طرابلس”، وباستثناء الملتحقين من أنصار القاعدة السابقين بــ”داعش” (وأساسا في درنة)، فان أغلب التنظيمات الأخرى إما مارست الحياد تجاه الصراع، أو انضمت لمساندة فجر ليبيا ميدانيا وليس سياسيا بالضرورة أي أنها ضد حفتر والكرامة وليس مع حكومة طرابلس….
والخلاصة أن التنظيمات الجهادية الليبية من غير المجموعات الموالية لداعش، لن تكون ضد تكوين الحكومة الليبية بدون أن تساندها سياسيا بالنسبة للبعض (القراءة هنا هي قراءة شرعية وفكرية)، في حين سيكون لبلحاج و حزبه أنصاره دور مستقبلي في ليبيا نتاج تطور فكرهم السياسي وعلاقاتهم الخارجية المتطورة مع أغلب القوى الإقليمية والدولية …
3- أي مستقبل لتطور الأوضاع في ليبيا في أفق نهاية سنة 2015؟
بغض النظر عن التجاذبات وصعوبة المهمة التي تقوم بها البعثة الأممية وتعقد تفاصيل المشهد الليبي ومفرداته العديدة والمتعددة في أفق نهاية السنة الحالية، فانه يمكن التأكيد على أن نجاح الحوار الليبي أمر محسوم بينما تشكيل الحكومة الليبية المرتقبة سيعرف صعوبات عدة ومزالق عديدة وتحديات كبرى وعوائق لا تحصى ستسعى أطراف عدة إقليمية و ربما دولية إضافة إلى أطراف في الداخل الليبي، إلى العمل على توسيعها وتضخيمها، حيث أن تلك الأطراف ستلعب كل ما بقي لها من أوراق لإفساد المشهد الجديد وخلط الأوراق و إعادة الأمور للنقطة الصفر، أو ربما أعقد مما كان عليه الوضع في أوت 2014 …
ولكن من الأكيد أيضا أن تطورات المشهد الإقليمي و طبيعة الموقع الجغرا – سياسي لليبيا وقربها ومن السواحل الأوربية وطبيعة التحديات الاقتصادية في دول الجوار الليبي ستدفع الجميع نحو الدفع لإنجاح تشكيل حكومة التوافق الليبية المنتظرة بل ومساعدتها في تنفيذ برامجها وإجراء انتخابات تغلق باب الصراعات الميدانية والعسكرية…
وسيعقب تشكيل الحكومة التي سيعلن عنها في قادم الأيام، تحديات جسيمة على مستوى الترتيبات الأمنية و بناء و قيادة المؤسسات السياسية والعسكرية وترتيبات الحدود مع الدول المجاورة والعمل على إنهاء الصراع الممتد أكثر من سنة بين التبو والطوارق ولكن أمل الشركات العابرة للقارات في الاستثمار في ليبيا ورغبة عديد العواصم الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في بلد قد يصبح لاحقا وبسرعة كبيرة دبي2 باعتبار امتداده الجغرافي وثرواته الباطنية الرهيبة و طول شواطئه الساحلية وقلة عدد سكانه إضافة للصحراء الممتدة نحو وسط القارة الإفريقية (دول الساحل والصحراء) …
وفي الأخير فان مستقبل ليبيا في أفق نهاية السنة الحالية سيكون واعدا من أجل عودة الوئام بين ألأخوة الليبيين حتى يتمنوا من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي وتوقي الصعاب عبر تشكيل الحكومة الجديدة تنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون منطلقا لإعادة بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ الليبيون كل الليبيين بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتمائتهم الفكرية والمذهبية والسياسية…
[1] يمكن مراجعة مقالينا:
- “هل سينجح الحوار الليبي أخيرا” – موقع اليوم العربي، بتاريخ 14 أوت 2015
- “الحوار الليبي : مربعات الفشل و النجاح” صحيفة الفجر التونسية بتاريخ 18 سبتمبر 2015
[2] راجع مقالنا “داعش ليبيا : تنظيم مخترق أم تابع” ب – منشور في موقع شمال إفريقيا للدراسات والتحاليل” www.almagharebi.net ، نشر بتاريخ 22 أوت 2015
[3] تنظيم أسسه وقاده الإرهابي التونسي والعراف السابق أحمد الرويسي، وهو أمني وعراف سابق تعرف على قادة أنصار الشريعة أثناء فترة السجن مع قادة عملية سليمان، وقد قُتل في مارس 2015 في معارك مع كتائب مصراتة، بينما يقود التنظيم حاليا المدعو نور الدين شوشان …
[4] يمكن مراجعة و مُتابعة الدراسة التي تنشر على حلقات في “موقع شمال إفريقيا للدراسات والتحاليل”
(www.almagharebi.net)، تحت عنوان ” إسلاميو ليبيا : المسارات التاريخية ومحددات الفعل السياسي”.
علي عبد اللطيف اللافي
المصدر: مجلة افريقيا المستقبل