تحاليلتونس

  فسيفساء التيار السلفي غير الجهادي   

 

علي عبد اللطيف اللافي: 

 

إذا ما أردنا الحديث عن مكونات التيار السلفي غير الجهادي في تونس،  فانه مثله مثل بقية البلدان العربية وبحكم تطورات عرفتها المنطقة العربية منذ حرب الخليج الثانية، ينقسم هذا التيار إلى تيار سلفي علمي و تيار سلفي إصلاحي وتيار سلفي مدخلي، وهنا لابد من التفريق النظري والواقعي بين هذه المكونات …

فماذا تعني كلمة أو لفظة “السلفيون” تحديدا وبالمفهومين اللغوي والاصطلاحي، وكيف تطورت تاريخيا نشأة التيار السلفي في تونس التسعينات وما هي مكونات التيار غير الجهادي من حيث التقسيم الفكري وما هي مختلف الأحزاب السلفية المقننة بعد ثورة 14 جانفي 2011؟

  • البُعد المفاهيمي للفظة “السلفيون”:

“السلفيون” لفظة و مفردها : سلفي،  و هم الذين يحتذون حذو السلف، الذين سلفوا، أي سبقوا ومضوا…

و إذا استثنينا تيار “الحداثة” بالمعنى الغربي،  و الذي يُقيم و يُقيم أصحابه ” قطيعة معرفية” مع الموروث، فإن اغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارس يمكن بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة، أن تدخل في إطار السلفيين، , لان لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع غليه و تنتسب له، و تحتذيه، و تستصحب ثوابته و مناهجه، فليس هناك في الحقيقة صاحب فكر بلا ماض مهما كان في هذا الفكر من إبداع، و إذا كان السلف هو الماضي فكلنا سلفيون…

لكن السلفيين أنواع، فمن السلفيين من ” يُقلد ” السلف، وهؤلاء هم أهل الجمود و التقليد..، و من السلفيين من يرجع إلى السلف، فيجتهد في ميراثهم مُميزا فيه ” الثوابت ” عن “المتغيرات” و الصالح  للاستصحاب و الاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة و العادات المتبدلة و الأعراف المختلفة و المصالح المستجدة …

ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يطلبه فقه الواقع الجديد..، ومنهم من يهاجر في واقعه المعيش إلى واقع السلف الذي تجاوزه الزمان و غلى تجاربهم التي طوتها القرون ..ومن السلفيين من سلفه عصر الإزهار و الإبداع في تاريخنا الحضاري …ومنهم من سلفه عصر الركاكة و التراجع في مسيرتنا الحضارية…، ومن السلفيين من سلفه تراثنا و حضارتنا وثقافتنا الوطنية و القومية و الإسلامية…، ومن السلفيين من سلفه تراث ” الآخر” الحضاري و مذاهبه و تياراته الفلسفية و الاجتماعية .

و بهذا المعنى يمكن إدخال ” الليبراليين” الذين يحتذون حذو ” الليبرالية” الغربية و الماركسية الذين يحتذون حذو الماركسية الغربية و أمثالهم من المتغربين في عداد السلفيين الذين أصبح الموروث و الماضي الغربي سلفا لهم يحتذونه و أحيانا قدر من التحوير و أحيانا بجمود و تقليد .

ومن السلفيين من سلفه المذاهب و التيارات ” النصوصية الحرفيّة ” في تراثنا … ومنهم من سلفه تيارات العقلانية في تراثنا..، أو النزعات الصوفية في موروثنا الحضاري …، ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثي بعينه يتعصب له ولا يتعداه…، ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة على اختلاف مذاهبها  يحتضنها جميعا و يعتز بها و يتخير منها

  • حول نشأة وتطور التيار السلفي في تونس:

             رغم أن دراسة مرحلة التسعينات يكتنفها الغموض وما زالت أسرار عدة لم تظهر في علاقة نظام الرئيس المخلوع الإقليمية والدولية، فانه يمكن القول عمليا لم يظهر التيار السلفي في تونس واقعيا قبل نهاية تسعينات القرن الماضي، رغم رسالة  محمد بن عبد الوهاب التي أرسلها إلى لعلماء تونس  في  القرن التاسع عشر والتي رفضوا مضمونها و ردّوا عليه في أكثر من موقع، وقد بدأ التيار السلفي في الظهور نتاج عوامل متعددة لعل أهمها عودة الذين درسوا وعملوا في الخليج بداية من سنة 1998 على غرار الشيخ الخطيب الإدريسي (تلميذ ابن باز) وعودة بعض التونسيين بالخارج الذين تبنوا فكرا سلفيا و تعرفوا على قيادات للتيار السلفي في أوروبا على غرار أبو قتادة وغيرهم، إضافة إلى فشل سياسة نظام المخلوع المعروفة بخطة “تجفيف منابع التدين”، في محاصرة الصحوة الإسلامية باعتبارها أمرا واقعا في البلدان العربية ونتاج التطورات الإقليمية والدولية كترتّبات حرب الخليج الثانية و  ظهور تنظيم القاعدة و بداية الخلاف الفكري والمنهجي بين المدرسة السلفية والمدرسة الاخوانية ( تصريح المرحوم نايف بن عبد العزيز المعروف في بداية الألفية)

  • مختلف مكونات التيار السلفي غير الجهادي
  • السلفية العلمية: هي أحد فصائل التيار السلفي و فصيل سلمي يحمل أطروحة دعوية وعظية بالأساس ويركز دعاتها جهودهم على الجوانب الفقهية والعقائدية وطلب العلوم الشرعية وهم في ذلك متقيدون بالمراجع السلفية العلمية كمصدر وخاصة بالمؤسسة الدينية في السعودية،  ظهر هذا التيار في تسعينات القرن الماضي واجتهدوا في تبليغ أفكار السلفية العلمية في صفوف الشباب وازداد انتشاره بفضل الفضائيات وشبكة الانترنت،  وعمليا في تونس تعتبر السلفية العلمية هي التيار الغالب على بقية المكونات و تتواجد في سوسة والعاصمة أساسا، ومن أبرز الوجوه المعروفة الشيخ “البشير بلحسن” وعددا من الدعاة الذين نبذوا العنف في أكثر من مناسبة…
  • السلفية الإصلاحية أو السرورية: و أصل التسمية الثانية “السرورية” تعود إلى مؤسس التيار “سرور زين العابدين”(داعية سوري عاش في السعودية ودرّس هناك)، و تم إطلاقها أثناء حرب الخليج الثانية، و في تونس لهذا التيار بعض الأنصار (صفاقس -أريانة – الضاحية الشمالية للعاصمة)، و لكنّهم إجمالا عناصر قليلة ولا يتجاوز عددهم بعض مئات…
  • السلفية الجامية أو المدخلية: و تُعرف بالجامية نسبة للشيخ الارتري الأصل محمد أمان الله الجامي، كما تعرف بـــ”المدخلية” (نسبة للشيخ السعودي ربيع المدخلي)، و تتكوّن في تونس أساسا من بعض العناصر الذين يرفضون العمل السياسي، و لا ارتباطات تنظيمية بينهم و لا توجد لهم أي زعامة موحدة بل زعامات كثيرة متنوعة يتقارب بعضها ويجتمعون في بعض المسائل ويحصل بينهم افتراق واختلاف أحياناُ وقد يصل إلى حد القطيعة، وإنما يجمع هذا التيار تشابه المنهج في التعامل مع المخالف ومحاولة احتكار التسمي بالسنة والسلفية وتضليل بقية التيارات و لهذا التيار موقف متشدد من العمل السياسي والحزبية والانتخابات والتقارب مع الآخرين، كما أنه مغال في ما يسمى طاعة ولي الأمر، و في تونس تتواجد بعض عناصرهم في أحياء العاصمة و أحوازها و ولايتي المنستير و القيروان .
  • الأحزاب السلفية المعترف بها قانونيا:
  • حزب الأصالة: تأسس سنة 2012، وهو حزب سلفي جديد و صغير الحجم من حيث عدد أعضائه ، يرأسه علي المجاهد وهو من العناصر السلفية التي عاشت في فرنسا و أفغانستان و يصفه البعض بأنه غريب الأطوار من علاقته المتعددة ، و تتراوح مواقف الحزب بين الثناء على الحكومة وانتقادها على غرار استياء الحزب من منع أحد ضيوفه من دخول تونس وتتواجد عناصره عمليا في مدنين (المجاهد أصيل هذه الولاية)، و تطاوين و بعض أحياء العاصمة.
  • حزب الرحمة: تأسس في بداية أوت 2012، وهو حزب سرعان ما تقلص نشاطه قاده الإمام سعيد الجزيري و الذي كان مقيما في كندا وتم طرده منها، وهو يؤمن بتوظيف المساجد في العمل السياسي، و يعتقد الجزيري أن ذلك ضرورة منهجية للعمل “الحزبي الإسلامي” واغلب عناصر الحزب من أحياء المروج.
  • حزب جبهة العمل و الإصلاح: هُو أوّل حزب سلفي في تونس، وهو عمليا وموضوعيا تواصل لتجربة تنظيم “الجبهة الإسلامية” والتي قادها محمد علي الحراث في تونس منتصف ثمانينات القرن الماضي، و قد تم اعتقال أكثر من 180 عضوا فيها خلال حكم الجنرال المخلوع والذي شن حملة اعتقالات عليها سنة 1989، وترأس الحزب بعد الثورة  الجامعي محمد خوجة بعد تقييم مساره التاريخي، وقد استقال خوجة أخيرا وعوضه في رئاسة  الحزب السيد الطرخاني..

وللحزب أنصار في العاصمة  وصفاقس و سليانة وقد شارك في كل المحطات الانتخابية و فكره السياسي أقرب  للتيار الإصلاحي أو السروري  …

  • بعض الأحزاب الأخرى: وهي أحزاب صغيرة وليس لها أي حضور شعبي على غرار حزب الزيتونة بقيادة عادل العلمي أو حزب الفضيلة بقيادة المحامي رمزي الخليفي (القيادي السابق بحزب الخضر للتقدم أي أحد أحزاب الموالاة في عهد المخلوع)…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق